والشيطان وجنده من الكفرة يقتضيان من النفس الأمارة ضد ذلك وأصعب شيء على النفس المطمئنة تخليص الأعمال من الشيطان ومن الأمارة فلو وصل منها عمل واحد لنجا به العبد، ولكن أبت الأمارة والشيطان أن يدعا له عملاً واحداً يصل إلى الله، كما قال بعض العارفين بالله وبنفسه " والله لو أعلم أن لى عملاً واحداً وصل إلى الله لكنت أفرح بالموت من الغائب يقدم على أهله"، وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: " لو أعلم أن الله قبل منى سجدة واحدة لم يكن غائب أحب إلى من الموت ".
وقد انتصبت الأمارة في مقابلة المطمئنة، فكلما جاءت به تلك من خير ضاهتها هذه وجاءت من الشر بما يقابله حتى تفسده عليها، وتريه حقيقة الجهاد في صور تقتيل النفس، وتنكح الزوجة، ويصير الأولاد يتامى ويقسم المال وتريه حقيقة الزكاة والصدقة في صورة مفارقة المال ونقصه، وخلو اليد منه، واحتياجه إلى الناس، ومساواته للفقير.
(علاج مرض «استيلاء النفس على القلب»:
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إغاثة اللهفان:
إن سائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس، فالمواد الفاسدة كلها إليها تنصب، ثم تنبعث منها إلى الأعضاء. وأول ما تنال القلب.
وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فى خطبة الحاجة:
"الحمدُ لله نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهدِيهِ، وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا".
وقد استعاذ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شرها عموما، ومن شر ما يتولد منها من الأعمال، ومن شر ما يترتب على ذلك من المكاره والعقوبات، وجمع بين الاستعاذة من شر النفس وسيئات الأعمال.
(حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي) أنه قال: يارسول الله، مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت، وإذا أمسيت قال: "" قل: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شىء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، «أعوذ بك من شر نفسي، وشرِ الشيطان وَشِرْكِهِ»، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِى سُوءًا أَوْ أَجرهُ إِلَى مُسْلِمٍ،"" قال: "" قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ.
(وقال أيضاً: وقد اتفق السالكون إلى الله على اختلاف طرقهم، وتباين سلوكهم على أن «النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب»، وأنه لا يدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها وتركها بمخالفتها والظفر بها.