القسم الثالث: وهم مَنْ مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه، فمنهم من مخالطته كالداء العضال والمرض المزمن، وهو من لا تربح عليه دين ولا دنيا، ومع ذلك فلا بد أن تخسر عليه الدين والدنيا أو أحدهما، فهذا إذا تمكنت منك مخالطته واتصلت فهى مرضُ الموت المخوف، ومنهم الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها فى منزلتها، بل إذا تكلم فكلامه كالعصا تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به، فهو يُحدث من فيه كلما تحدث ويظن أنه مسك يطيب به المجلس، وإذا سكت فأثقل من نصف الرحا العظيمة التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض.

وبالجملة فمخالطة كل مخالف حمى للروح فعرضية ولازمة، ومن نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا الضرب وليس له بد من معاشرته، فليعاشره بالمعروف ويعطيه ظاهره ويبخل عليه بباطنه حتى يجعل الله له من أمره فرَجاً، ومخرجاً.

القسم الرابع: من مخالطته الهلاك كله، فهي بمنزلة أكل السم، فإذا اتفق لآكله ترياق وإلا فأحسن الله العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس – لا كثَّرهم الله – وهم أهل البدع والضلالة، الصادون عن سنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الداعون إلى خلافها، فيجعلون السنة بدعة والبدعة سنة، وهذا الضرب لا ينبغي للعاقل أن يجالسهم أو يخالطهم، وإن فعل فإما الموت لقلبه أو المرض.

نسأل الله لنا ولهم العافية والرحمة.

أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن سفيان بن عيينة: رأيت الثوري في المنام فقلت: أوصني، قال: أقلل من مخالطة الناس، قلت: زدني، قال: سترد فتعلم.

[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن أدهم قال: حب لقاء الناس من حب الدنيا، وتركهم من ترك الدنيا.

[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن سهل بن هاشم، قال: قال لنا إبراهيم ابن أدهم: أقلوا من الإخوان والأخلاء.

[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن شقيق البلخي قال: اصحب الناس كما تصحب النار، خذ منفعتها واحذر أن تحرقك.

[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن الفضيل بن عياض قال: إني لأسمع صوت حلقة الباب فأكره ذلك قريباً كان أم بعيداً، ولوددت أنه طار في الناس أني قدمت حتى لا أسمع له بذكر، ولا يسمع لي بذكر، وإني لأسمع صوت أصحاب الحديث فيأخذني البول فرقاً منهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015