هي الداء العضال الجالب لكل شر، وكم سَلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة، وكم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسياتُ وهى في القلوب لا تزول، ففي فضول المخالطة خسارة الدنيا والآخرة، وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بقدر الحاجة، ويجعل الناس فيها أربعة أقسام متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينها دخل عليه الشر:
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن الفضيل بن عياض قال: إذا خالطت فخالط حسن الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى خير، وصاحبه منه في راحة، ولا تخالط سيىء الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر وصاحبه منه في عناء.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن يونس بن عبد الأعلى الصدفي، يقول: سمعت الشافعي يقول: يا يونس الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن شقيق البلخي قال: اصحب الناس كما تصحب النار، خذ منفعتها واحذر أن تحرقك.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن الشافعي قال:
ليت الكلاب لنا كانت مجاورة ... وليتنا لا نرى مما نرى أحدا
إن الكلاب لتهدأ في مواطنها ... والناس ليس بهاد شرهم أبدا
فاهرب بنفسك واستأنس بوحدتها ... تبقى سعيداً إذا ما كنت منفردا
احدهما: مَن مخالطته كالغذاء لا يستغني عنه في اليوم والليلة فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة، ثم إذا احتاج إليه خالطه، هكذا على الدوام، هُم العلماء بالله وأمره ومكايد عدوه، وأمراض القلوب وأدويتها الناصحون لله ولكتابه ولرسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولخلقه فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كلّ الربح.
القسم الثاني: مَن مخالطته كالدواء، يحتاج إليه عند المرض، فما دُمتَ صحيحاً فلا حاجة لك في خلطته، وهم من لا يستغنى عن مخالطتهم في مصلحة المعاش وما أنت تحتاج إليه من أنواع المعاملات والاستشارة ونحوها، فإذا قضت حاجتك من مخالطة هذا الضرب بقيت مخالطتهم من: