يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فالنفس تدعو إلى الطغيان، وإيثار الحياة الدنيا. والرب -جل وعلا- يدعو عبده إلى خوفه، ونهي النفس عن الهوى، والقلب بين الداعيين (?) وهذا هو موضع الفتنة والابتلاء.
{تنبيه}: (إن بعض المشتغلين بالدعوة وطلب العلم يظنون أن غاية الابتلاء والامتحان هو الأذى الجسدي: من سجن وتعذيب وأسر وقتل، وغيرها، أو أذىً معنوي من: مقاطعة الناس له، أو عدم استجابة، أو سخرية واستهزاء به، وغيرها، وهذا قصر لمفهوم الابتلاء على بعض أنواعه، وإلا فإن أشد أنواع الابتلاء هو «ابتلاء هذا القلب وامتحانه»، وكم رأينا ممن نجح في امتحان الأذى. والتعذيب، لكنهم أخفقوا في امتحان القلب! ولذلك كان من دعاء الراسخين في العلم: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [سورة آل عمران، الآية: 8].
ونختم هذه المقدمة في معنى امتحان القلب وابتلائه بهذه الدعوة الربانية للمؤمنين متضمنة تحذيرا مخيفا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [سورة الأنفال، الآية: 24].
نسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يوفقنا ويعيننا على الاستجابة لله وللرسول، وأن يحي قلوبنا، وألا يحال بيننا وبين قلوبنا بمعاصينا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
(مواطن امتحان القلوب:
ومواطن امتحان القلوب كثيرة، وحسبنا أن نشير إشارات سريعة إلى جملة منها. وإنما أشرنا إلى هذه المجالات لأن كثيرا من الناس يتصور أن القلب إنما يمتحن بالشهوات والمعاصي، ولكننا سوف نرى أن هذا من المواطن التي يمتحن فيها القلب، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [سورة الأنبياء، الآية: 35].
فمن المواطن التي يمتحن فيها القلب ما يلي:
(1) العبادة: