كم من امتحان رسبنا فيه ونحن لا نشعر.
وهنا سرّ بديع في هذه الآية: (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (?)؛ لأنه قد يحبط عمل الإنسان وهو لا يشعر، فهو لا يتصور أن يحبط عمله بذلك العمل، أو لا يلقي لعمله بالا.
وكم من عملٍ أو كلمةٍ أودت بصاحبها وهو لا يشعر.
وإذا كان رفع الصوت عند رسول الله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كاد أن يحبط عمل أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، فما سيكون حال من يرفع صوته فوق صوت الحق؟ أولئك الذين يقدمون شريعة الطاغوت على شريعة الله، أولئك الذين يعادون ويوالون في سبيل الشيطان.
وحتى نزيد في إيضاح معنى (امتحان القلوب) لنتأمل الحديثين الآتيين بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيهما واجعل لهما من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيهما من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث حذيفة الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودا عُودا، فَأَيّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْل الصّفَا، فَلاَ تَضُرّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادا كَالْكُوزِ مُجَخّيا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرا، إِلاّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ.
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن العبد إذا أخطاء خطيئة نُكِتَت في قلبه نكته سوداء فإن هو نزع و استغفر و تاب صقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه و هو الران الذي ذكر الله تعالى فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه (كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ مّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [المطففين: 14].
جعل الله قلوبنا بيضاء، وطهرها من المعاصي والرذائل والشبهات. ففي الحديث التعبير بالفعل المضارع (تعرض)، وهو هنا يدل على استمرار البلاء والامتحان: كما أن هذه الفتن لا تأتي دفعة واحدة، وإنما شيئا فشيئا حتى يصبح القلب أسود -والعياذ بالله- أو يسلمه الله فينجح في الامتحان فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض.