ذهب جمهور العلماء من السلف، وصلحاء الخلف إلى أن هذه الأحاديث والآثار جارية على إطلاقها سواء دعوه إلى المجيء إليهم أم لا، وسواء دعوه لمصلحة دينية أم لغيرها. قال سفيان الثوري: «إن دعوك لتقرأ عليهم: قل هو الله أحد، فلا تأتهم» رواه البيهقي، كما تقدم.
(وروى أبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مهران: أن عبد الله بن عبد الملك بن مروان قدم المدينة، فبعث حاجبه إلى سعيد بن المسيب فقال له: أجب أمير المؤمنين! قال: وما حاجته؟ قال: لتتحدث معه. فقال: لست من حداثه. فرجع الحاجب إليه فأخبره، قال: دعه.
(قال البخاري في تاريخه: «سمعت آدم بن أبي إياس يقول: شهدت حماد بن سلمة ودعاه السلطان فقال: اذهب إلى هؤلاء! لا والله لا فعلت».
(وروى الخطيب، عن حماد بن سلمة: أن بعض الخلفاء أرسل إليه رسولا يقول له: إنه قد عرضت مسألة، فأتنا نسألك. فقال للرسول: قل له: «إنا أدركنا أقواما لا يأتونا أحدا لما بلغهم من الحديث فإن كانت لك مسألة فاكتبها في رقعة نكتب لك جوابها».
(وأخرج أبو الحسن بن فهر في كتاب «فضائل مالك»، عن عبد الله بن رافع وغيره قال: قدم هارون الرشيد المدينة، فوجه البرمكي إلى مالك، وقال له: احمل إليّ الكتاب الذي صنفته حتى أسمعه منك». فقال للبرمكي: «أقرئه السلام وقل له: إن العلم يزار ولا يزور» فرجع البرمكي إلى هارون الرشيد، فقال له: يا أمير المؤمنين! يبلغ أهل العراق أنك وجهت إلى مالك في أمر فخالفك! أعزم عليه حتى يأتيك. فأرسل إليه فقال: قل له يا أمير المؤمنين لا تكن أول من وضع العلم فيضيعك الله.
(وروى غنجار في تاريخه عن ابن منير: أن سلطان بخاري، بعث إلى محمد بن إسماعيل البخاري يقول: احمل إليّ كتاب «الجامع» و «التاريخ» لأسمع منك. فقال البخاري لرسوله: «قل له أنا لا أذل العلم، ولا آتي أبواب السلاطين فإن كانت لك حاجة إلى شيء منه، فلتحضرني في مسجدي أو في داري».
(وقال نعيم بن الهيصم في جزئه المشهور: «أخبرنا خلف بن تميم عن أبي همام الكلاعي، عن الحسن أنه مر ببعض القراء على بعض أبواب السلاطين، فقال: أقرحتم جباهكم، وفلطحتم نعالكم، وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم إلى أبوابهم؟! أما إنكم، لو جلستم في بيوتكم لكان خيرا لكم، تفرقوا فرق الله بين أعضائكم».