فسلامة النفس من ذلك واتصافها بضده دليل غناها، لأنها إذا أذعنت منقادة لأمر الله طوعاً واختيارا ومحبةً وإيماناً واحتسابا، بحيث تصير لذاتها وراحتها ونعيمها وسرورها في القيام بعبوديته كما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ((يا بلال أرحنا بالصلاة)) كما في الحديث الآتي:
(حديث عبد الله محمد ابن الحنفية الثابت في صحيح أبي داوود) قال: انطلقت أنا وأبي إلى صهر لنا من الأنصار نعوده، فحضرت الصلاة، فقال لبعض أهله: يا جارية ائتوني بوضوء لعلي أصلي فأستريح قال: فأنكرنا ذلك عليه، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "" قم يا بلال فأرحنا بالصلاة "".
وجعلت قرة عين رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة كما في الحديث الآتي:
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح النسائي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: حبب إلي من الدنيا الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة.
فقرة العين فوق المحبة، فجعل النساء والطيب مما يحب، وأخبر أن قرة العين التي يطمئن القلب بالوصول إليها ومحض لذته وفرحه وسروره وبهجته إنما هو في الصلاة التي هي صلة بالله وحضور بين يديه ومناجاة له واقتراب منه، فكيف لا تكون قرة العين، وكيف تقر عين المحب بسواها. فإذا حصل للنفس هذا الحظ الجليل فأي فقر يخشى معه، وأي غنى فاتها حتى تلتفت إليه؟
ولا يحصل لها هذا حتى ينقلب طبعها ويصير مجانسا لطبيعة القلب، فتصير بذلك مطمئنة بعد أن كانت لوامة، وإنما تصير مطمئنة بعد تبادل صفاتها وانقلاب طبعها، لاستغناء القلب بما وصل إليه من نور الحق جل جلاله، فجرى أثر ذلك النور في سمعه وبصره وشعره وبشره وعظمه ولحمه ودمه وسائر مفاصله، وأحاط بجهاته من فوقه وتحته ويمينه ويساره وخلفه وأمامه، وصارت ذاته نوراً وصار عمله نورا، وقوله نورا، ومدخله نورا ومخرجه نورا وكان في مبعثه ممن انبهر له نوره فقطع به الجسر.