فها هنا أَربعة أَشياءَ: أَمر محبوب مطلوب الوجود، والثاني أمر مكروه مطلوب العدم، والثالث الوسيلة إِلى حصول المحبوب، والرابع الوسيلة إلى دفع المكروه. فهذه الأُمور الأَربعة ضرورية للعبد بل ولكل حي سوى الله، لا يقوم صلاحه إِلا بها، إِذا عرف هذا فالله سبحانه وتعالى هو المطلوب المعبود المحبوب وحده لا شريك له وهو وحده المعين للعبد على حصول مطلوبه، فلا معبود سواه ولا معين على المطلوب غيره، وما سواه هو المكروه المطلوب بعده وهو المعين على دفعه، فهو سبحانه الجامع للأُمور الأَربعة دون ما سواه، وهذا معنى قول العبد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين} * [الفاتحة: 5]، فإن هذه العبادة تتضمن المقصود المطلوب على أكمل الوجوه، والمستعان هو الذي يستعان به على حصول المطلوب ودفع المكروه. فالأَول من مقتضى أُلوهيته، والثاني من مقتضى ربوبيته، لأَن الإِله هو الذي يؤله فيعبد محبة وإِنابة وإِجلالاً وإِكراماً، والرب هو الذي يرب عبده فيعطيه خلقه ثم يهديه إِلى جميع أَحواله ومصالحه التي بها كماله، ويهديه إِلى اجتناب المفاسد التي بها فساده وهلاكه. وفى القرآن سبعة مواضع تنتظم هذين الأَصلين: أحدها قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ} * [الفاتحة: 5]، الثاني قوله تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} * [هود: 88] [الشورى: 10]، الثالث قوله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} * [هود: 123]، الرابع قوله تعالى: {عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} * [الممتحنة: 4]، الخامس قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَى الَّذِى لا يُمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} * [الفرقان: 58]، السادس قوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَاب} * [الرعد: 30]، السابع قوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً * رَبُّ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} * [المزمل: 8 - 9].
(أقسام الغنى:
مسألة: ما هو أقسام الغنى؟
الغنى قسمان: غنى سافل، وغنى عال.