وكان يدعو: ((يا مقلِّب القُلُوبِ ثَبِّتْ قلبي عَلَى دينك)). يعلم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن قلبه بيد الرحمن عَزَّ وجَلَّ لا يملك منه شيئاً، وأَن الله سبحانه يصرفه كما يشاءُ كيف وهو يتلو قوله تعالى: {وَلَوْلاَ أَن ثَبّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} * [الإسراء: 74]، فضرورته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى ربه وفاقته إِليه بحسب معرفته به، وحسب قربه منه ومنزلته عنده. وهذا أَمر إِنما بدا منه لمن بعده ما يرشح من ظاهر الوعاءِ، ولهذا كان أَقرَبَ الخلق إِلى الله وسيلة وأَعظمهم عنده جاهاً وأَرفعهم عنده منزلة، لتكميله مقام العبودية والفقر إِلى ربه تعالى، ولذا كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى أصحابه أن يرفعوه فوق منزلته التي أنزله الله إياها كما في الأحاديث الآتية:
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أنا محمد بن عبد الله، أنا عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلنيها الله.
(حديث عمر في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لا تطروني لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله و رسوله.
(حديث أبي مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) قال أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل فكلمه فجعل ترعد فرائصه فقال له هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد.
(القديد): هو اللحم المملح المجفف في الشمس
وذكره الله سبحانه بسمة العبودية في أَشرف مقاماته، «مقام الإِسراءِ ومقام الدعوة ومقام التحدي»، فقال: {سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىَ بِعَبْدِهِ لَيْلاً} * [الإسراء:1]، وقال: {وَأَنّهُ لّمَا قَامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ} * [الجن: 19]، وقال: {وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مّمّا نَزّلْنَا عَلَىَ عَبْدِنَا} * [البقرة: 23]، وفى حديث الشفاعة: ((إِنَّ الْمَسِيحَ يَقُولُ لَهُمْ [يوم القيامة]: اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ عَبْدٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ))، فنال ذلك المقام بكمال عبوديته لله وبكمال مغفرة الله له، فتأَمل قوله تعالى في الآية: {أَنْتُمُ الفُقَرَآءُ إِلَى اللهِ} * [فاطر: 15]، [فعلق الفقر إليه باسمه] دون اسم الربوبية ليؤذن بنوعي الفقر، فإِنه كما تقدم نوعان:
(تعريف الفقر:
مسألة: ما هو تعريف الفقر؟