وربما ألقى الشيطان في رَوْعِه أن الدعاء لا داعي له في هذه الحالة، ولا فائدة وراءه حِيال هذا الأمر، كحال من يصاب بمرض السرطان _ عياذًا بالله _ فتجد تلك الحال تغلب عليه، بل ربما غلبي على أقاربه وذويه، فتراهم يتركون الدعاء لهذا المريض؛ بحجة أن هذه الحالة خطيرة، وأنها تنتهي بالوفاة في الأعم الأغلب؛ لذا لا فائدة من الدعاء لهذا المريض، ولا داعي له _ بزعمهم _!.
فهذا خطأ في باب الدعاء، وجهل بالله، وما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه.
فيا سبحانه الله! أما علم أولئك أن الله على كل شيء قدير؟ وأن أزمَّة الأمور بيده _ تبارك وتعالى _ وأنه يقول للشيء كن فيكون؟ وأن الذي كتب الضر قادر على كشفه؟
بل ما علموا أن الدعاء _ بحد ذاته _ عبادة عظمى؟ وأن انتظار الفرج من أجل العبادات؟ وأن الافتقار إلى الله واللجوء إليه عين الفلاح ورأس العز؟.
بل ما علموا أن الله قد يشفيه؟، أو يخفف عنه بعض ما يعانيه؟، أو يرزقه _ بفضل ذلك الدعاء _ من الثبات والطمأنينة والرضا ما لا يجده لو كان سليمًا معافى؟.
وكذلك الحال بالنسبة لبعض من يبتلى بالعقم، أو تأخر الإنجاب عنه، فمنهم من يرغب عن دعاء الله، وسؤاله الذرية الصالحة؛ بحجة أن الأمر قد كتب وقدر، فلا داعي للدعاء في ذلك الأمر، إذ لا فائدة من وراءه بزعمه!.
فهذا الكلام لا ينبغي أن يصدر من مسلم؛ فالله _ عزَّ وجل _ هو الذي قدر العقمَ وتَأَخُّرَ الإنجاب، وهو القادر على أن يمد الإنسان بالأولاد؛ فالأمر أمره، والقدر قدره، والكون كله ملك له؛ فكيف تيأس _ أيها المسلم _ من روح الله، أو تقنط من رحمته؟
(فهذا زكريا _ عليه السلام _ عندما قال: (رَبّ هَبْ لِي مِن لّدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَآءِ) [آل عمران / 38]
(أجاب الله دعاءه،: (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي الْمِحْرَابِ أَنّ اللّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَىَ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ اللّهِ وَسَيّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مّنَ الصّالِحِينَ) [آل عمران / 39]
(كل ذلك مع أن زكريا قد بلغ من الكبر عتيًّا، وأن امرأته كانت عاقرًا!.
وقل مثل ذلك في شأن بعض الوالدين الذين يَدَعُون الدعاء لأولادهم؛ يأسًا من صلاحهم، وذلك إذا رأوا منهم تمردًا وتماديًا في الغواية والضلال.
فتجد هذا الوالد يقول:
أنا يئست من صلاح ولدي، وتركت الدعاء له!