أن السَّجْعَ المذموم في الدُّعَاءِ هو اَلْمُتَكَلَّفُ، فإنه يُذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويُلْهِي عن الضَّراعة والافْتِقَارِ وفراغ القلب، فأمَّا ما حصل بلا تَكَلِّف ولا إعْمَالِ فِكْرٍ لِكَمَالِ الفَصَاحَةِ ونحو ذلك، أو كان محفوظا فلا بأس به، بل هو حَسَنٌ (?)
(21) اَلنَّهْيُ عَنْ تَكَلِّفِ الإعْرَابِ:
ومثل النهي عن تَكَلُّفِ السَّجْعِ، مَنْهِيٌ عن تَكَلِّفِ الإعراب في الدُّعَاءِ لأنَّهما يَصْرِفَانِ القلب عن الخشوع،
[*] قال ابن تيمية:
ينبغي للدَّاعِي إذا لم تكن عادته الإعراب ألاَّ يِتِكِلَّفَ الإعراب، قال بعض السلف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع، وهذا كما يُكره تَكَلُّف السَّجْعِ في الدُّعَاءِ، فإذا وقع بغير تَكَلُّفٍ فلا بأس به، فإن أصل الدُّعَاء من القلب، واللسان تابع للقلب، ومن جعل هِمَتُهُ في الدُّعَاءِ تَقْوِيمَ لِسَانِهِ، أضْعَفَ تَوَجُهَ قَلْبِهِ، ثم قال: والله ـ سبحانه ـ يَعْلَمُ قَصْدَ الدَّاعِيَ ومُرَادَهُ، وإن لم يُقوِّم لسانه، فإنه يعلم ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تنوع الحاجات (?)
(22) رَفْعُ اَلْصَّوْتِ فَوْقَ اَلْحَاجَةِ وَاَلْنَّوْحُ وَاَلبُكَاءُ:
[*] قال اِبْنُ حَجَرَ العَسْقَلاَنِيُّ (?):
الاِعْتِدَاءُ في الدُّعَاءِ يَقَعُ بزيادة الرَّفْعِ فَوْقَ الحَاجَةِ أو بِطَلَبِ ما يَسْتَحِيلُ حُصُولُهُ شَرْعاً أو بِطَلَبِ مَعْصِيَةٍ أو يدعو بما لم يَؤْثَرْ خصوصا ما وَرَدَتْ كَرَاهَتُهُ كالسَّجْعِ اَلْمُتَكَلَّفِ0
[*] وقال قَتَادَة (?):
إنَّ الله إنَّمَا يُتَقَرَّبُ إليه بطاعته، فما كان من دُعَائِكُمُ الله فَلْيَكُنْ في سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَحُسْنِ سَمْتٍ وَهُدَيً وَحُسْنِ دَعَةٍ 0
[*] وعن الحسن (?) قال:
لقد كان المسلمون يَجْتَهِدُونَ في الدُّعَاءِ وما يُسْمَعُ لهم صَوْتٌ، إنْ كان إلا هَمْسًا بينهم وبين ربِّهِمُ، وذلك أن الله تعالى يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وذلك أن الله تعالى ذَكَرَ عَبْداً صَالِحاً فَرَضِيَّ له قَوْلُهُ، فقال: {إذْ نَادَىَ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًا} (2 ـ مريم)