إنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة لأن المخالفة توجب الوحشة والموافقة مبسطة المستأنسين، فيا لذة عيش المستأنسين، ويا خسارة المستوحشين" صيد الخاطر.
قيل للعابد الرباني وهيب بن الورد رحمه الله: هل يجد طعم العبادة من يعصيه؟ قال: "لا، ولا من يهم بالمعصية".
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول:" من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية".
وعليه كان السلف الصالح الكرام، والأئمة الأعلام يتشوقون إلى فعل الطاعات، و يحرصون على تقديم القربات لرب الأرض والسماوات، ولا يسأمون من العبادات لأنسهم برب البريات.
قال الوليد بن مسلم رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس.
وهذا عامر بن عبد القيس التابعي لما أدرك في هذه الحياة الأنس بالطاعة بكى عند احتضاره، فقيل له ما يبكيك؟ قال: لا أبكي خوفا من الموت أو جزعا منه ولا حرصا على الدنيا، قال: أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل.
وسئل الشعبي عن الإمام الأسود بن يزيد النخعي فقال: كان صواما قواما حجاجا.
وهذا أبو عائشة الإمام التابعي مسروق بن الأجدع كان يصلي حتى تتورم قدماه.
قالت زوجته: فربما جلست أبكي مما أراه يصنع بنفسه.
ولما حضرته الوفاة قال: ما آسى على شيء إلا على السجود لله تعالى.
وقال عطاء: رأيت مصلى مرة الهمداني مثل مبرك البعير.
إنه التابعي الجليل مرة الطيب، ويقال مرة الخير لعبادته وخيره وعلمه.
يقول الذهبي عنه: بلغنا أنه سجد لله تعالى حتى أكل التراب جبهته.
((واعلم أنه من علامات مرض القلوب، وضعف التعلق بعلام الغيوب عدم طاعة الله بالاستئناس، مع الأنس بالناس.
حتى قال أحد السلف:" علامة الإفلاس الاستئناس بالناس".
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" من فقد أنسه بالله بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف، ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول، ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود، ومن وجده في الخلوة وفي الناس فهو المحب الصادق القوي في حاله" الفوائد.
فاحرص على بلوغ منزلة الإحسان وفق العلم الأثري، والهدي النبوي، حتى ترزق الأنس عند الطاعات، ولا تستوحش إذا خلوت بذكر رب الأرض والسماوات، فليس العجب ممن لم يأنس بالله ولم يرزق التوفيق، وإنما العجب ممن أدرك ذلك وانحرف عنه إلى بنيات الطريق.