(ومنها: السكون في الصلاة وهو الدوام الذي قال الله تعالى فيه: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23]
قال عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة: حدثني يزيد بن أبي حبيب: أن أبا الخير أخبره قال: سألنا عقبة بن عامر عن قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} أهم الذين يصلون دائما قال: لا ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه.
قلت: هما أمران الدوام عليها والمداومة عليها فهذا الدوام والمداومة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: 34] وفسر الدوام بسكون الأطراف والطمأنينة وأدبه في استماع القراءة: أن يلقي السمع وهو شهيد وأدبه في الركوع: أن يستوي ويعظم الله تعالى حتى لا يكون في قلبه شيء أعظم منه ويتضاءل ويتصاغر في نفسه حتى يكون أقل من الهباء.
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة اليقين
«وهو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد»، وبه تفاضل العارفون وفيه تنافس المتنافسون وإليه شمر العاملون وعمل القوم إنما كان عليه وإشاراتهم كلها إليه «وإذا تزوج الصبر باليقين وُلِدَ بينهما حصول الإمامة في الدين»
قال الله تعالى وبقوله يهتدي المهتدون: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة: 24]
(وخص سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين فقال وهو أصدق القائلين: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذرايات: 20]
(وخص أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالمين فقال: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 4 - 5]
(وأخبر عن أهل النار بأنهم لم يكونوا من أهل اليقين فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32]
«فاليقين روح أعمال القلوب» التي هي أرواح أعمال القلوب التي هي من أعمال الجوارح وهو حقيقة الصديقية وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره.