فهذا الحديث فيه ما يحصل به محبة الرب تعالى للعبد فقال: دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وهذا فيه تنبيه إلى أصل، وهو أن همة المرء ينبغي أن تكون مصروفة لما به يحب الله العبد، وليس أن تكون مصروفه لمحبته هو لله تعالى، فالعباد كثيرون منهم من يحبون الله تعالى، بل كل متدين بالباطل أو بالحق، فإنه ما تدين إلا لمحبة الله تعالى، وليس هذا هو الذي يميز الناس، وإنما الذي يميز الناس عند الله تعالى هو من الذي يحبه الله تعالى.

((وقد قال بعض أئمة السلف رحمهم الله: ليس الشأن أن تحِب، ولكن الشأن كل الشأن أن تُحَب، يريد أن محبة العبد لربه تعالى، هذه تحصل إما بموافقة مراد الله، أو بمخالفة مراد الله، فالنصارى يحبون الله، وعباد اليهود يحبون الله، وعباد الملل يحبون الله، وعباد جهلة المسلمين يحبون الله، ولكن ليس هؤلاء بمحبوبين لله تعالى إلا إذا كانوا على ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال.

إذاً فحصل من ذلك أن «السعي في محبة الله للعبد هذا هو المطلب»، وهذا إنما بالرغبة في العلم ومعرفة ما يحبه الله تعالى ويرضاه، فإذا عرفت كيف يحب الله العبد، أو إذا عرفت بما يحب الله تعالى العبد، حصل لك السعي في محبة الله تعالى.

((وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "لا تزال كريما على الناس ولا يزال الناس يكرمونك ما لم تعاط ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك وكرهوا حديثك وأبغضوك".

((وقال أيوب السختياني رحمه الله تعالى: "لا يقبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان: العفة عما في أيدي الناس، والتجاوز عما يكون منهم".

فمن زهد فيما في أيدي الناس وعف عنهم فإنهم يحبونه ويكرمونه لذلك ويسود به عليهم؛ كما قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن، قال: بم سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم.

وما أحسن قول بعض السلف في وصف الدنيا:

وما هي إلا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همهن اجتذابها

فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها.

(كيفية علاج ما اعوجّ من الأخلاق:

والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتلافى المِعْوَّجَ من أخلاق الناس بكرمه، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (

طور بواسطة نورين ميديا © 2015