ومعنى ازهد فيما عند الناس: لا يكن قلبك متعلقا فيما في أيدي الناس، فإذا فعلت ذلك، فأخرجت ما في أيدي الناس من التعلق ومن الاهتمام، وكان ما عند الناس في قلبك لا قيمة له، سواء أعظم أم قل، فإنه بذلك يحبك الناس؛ لأن الناس يرون فيه أنك غير متعلق بما في أيديهم، لا تنظر إلى ما أنعم الله به عليهم نظر رغبة، ولا نظر طلب، وإنما تسأل الله -جل وعلا -لهم التخفيف من الحساب، وتحمد الله -جل وعلا -على ما أعطاك، وما أنت فيه، فهذا إخراج ما في أيدي الناس من القلب، هذه حقيقة الزهادة فيما عند الناس، وإذا فعل ذلك المرء أحبه الناس؛ لأن الناس جبلوا على أنهم لا يحبون من نازعهم ما يختصون به، مما يملكون، أو ما يكون في أيديهم حتى إذا دخلت بيت أحد، ورأيت شيئا يعجبك، وظهر عند ذلك أنك أعجبت بكذا، فإنه يكون في نفس ذاك الآخر بعض الشيء. وهذا يعكر صفو المحبة، فوطن نفسك أن ما عند الناس في قلبك شيء قليل لا قيمة له، حقير لا قيمة له، حقير قيمة له مهما بلغ، وهذا في الحقيقة لا يكون إلا لقلب زاهد متعلق بالآخرة، لا ينظر إلى الدنيا أما من ينظر إلى الدنيا، فإنه يكون متعلقا بما في أيدي الناس.

(وهذا الحديث أصل في بيان كيف يكون المرء محبوبا عند الله تعالى وعند الناس.

وهو أيضاً من أحاديث الوصايا؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجاب عن سؤال مضمونه طلب الوصية، قال سهل بن سعد رضي الله عنه: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا رسول الله: دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، وهذا السؤال يدل على علو الهمة؛ لأن محبة الله تعالى غاية المطالب ومحبة الناس للمرء، أو للعبد معناها أداء حقوقهم، والدين قائم على أداء حقوق الله وأداء حقوق العباد، فمن أدى حق الله تعالى أحبه الله، ومن أدى حقوق العباد وعاملهم بالعدل والإحسان، فإنه يثوب بمحبة الناس له، وهذا الذي يجمع بين الطرفين هو الصالح من عباد الله؛ لأن الصالح هو الذي يقوم بحق الله وحق العباد، والصلاح هو القيام بحقوق الله وحقوق الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015