(تنبيه) قال بعضهم: ويحصل العلم بالفيض الإلهي لكنه نادر غير مطرد فلذا تمم الكلام نحو الغالب قال الراغب: الفضائل ضربان نظري وعملي وكل ضرب منها يحصل على وجهين أحدهما بتعلم بشرى يحتاج إلى زمان وتدرب وممارسة ويتقوى الإنسان فيه درجة فدرجة وإن فيهم من يكفيه أدنى ممارسة بحسب اختلاف الطبائع في الذكاء والبلادة، والثاني يحصل بفيض إلهي نحو أن يولد إنسان عالماً بغير تعلم كعيسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام الذين حصل لهم من المعارف بغير ممارسة ما لم يحصل لغيرهم وذكر بعض الحكماء أن ذلك قد يحصل لغير الأنبياء عليهم السلام في الفيئة بعد الفيئة وكلما كان يتدرب فقد يكون بالطبع كصبي يوجد صادق اللّهجة وسخياً وجريئاً وآخر بعكسه وقد يكون بالتعلم والعادة فمن صار فاضلاً طبعاً وعادة وتعلماً فهو كامل الفضيلة ومن كان رذلاً فهو كامل الرذيلة.

((أقوال السلف في فضل طيب الكلام:

(روى ابن المبارك في كتاب الجهاد بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لولا ثلاث، لولا أن أسير في سبيل الله عز وجل أو يغبر جبيني في السجود، أو أقاعد قوما ينتقون طيب الكلام كما يُنتقى طيب الثمر لأحببت أن أكون قد لحقت بالله عز وجل.

(وروى ابن المبارك في الزهد أن أبا الدرداء رضي الله عنه قال: لولا ثلاث ما أحببت البقاء: ساعة ظمأ الهواجر، والسجود في الليل، ومجالسة أقوام يَنتقون جيد الكلام كما يُنتقى أطايب الثمر.

وفي رواية أنه قال: لولا ثلاث لأحببت أن لا أبقى في الدنيا؛ وضعي وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار أقدمه لحياتي، وظمأ الهواجر، ومُقاعدة أقوام يَنتقون الكلام كما تُنتقى الفاكهة.

((وفي تاريخ دمشق عن شعبة قال: سمعت حميد الأوزاعي قال: قال رجل من رهط أبي الدرداء:

ولولا ثلاث هن من حاجة الفتى = أجدك لم أحفل إذا قام رامسي

قال أبو الدرداء: لكني لا أقول كما قال، لولا ثلاث ما باليت متى متّ: لولا أن أسير غازيا في سبيل الله، أو أعفر وجهي في التراب، ولولا أن أقاعد قوما يلتقطون طيب الكلام كما يُلتقط طيب التمر، ما باليت متى متّ.

وذكر الجاحظ في البيان والتبيين بعض الآثار عن فضل طيب الكلام فقال:

((قال الفضيل بن عياض رحمه الله: نِعمت الهدية الكلمة من الحكمة يحفظها الرجل حتى يلقيها إلى أخيه.

((وكان يُقال: اجعل ما في الكتب بيت مال، وما في قلبك للنفقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015