قال: نعم، وجدت بعض الشركاء يعطوننا في الدرهم عشرة أضعاف إلى سبعمائة درهم.
قالت: خذ مالي إلى مالك، ولا يفوتك هذا، فإنه مكسب عظيم، فأخذ ماله ومالها، فتصدق به في سبيل الله، وتولى الإمارة ومكث فيهم راضياً زاهداً صادقاً، فأتى عمر يبحث عن الأمراء -كان عمر له جولة استطلاع لاكتشاف المواهب، واكتشاف الدسائس، ويحاكم الأمير والوالي أمام الناس في مجلس شورى مفتوح- فيقول: ما رأيكم فيه، وما رأيه فيكم.
فلما وصل دور سعيد بن عامر وهو جالس، قال: يا أهل حمص ما رأيكم في أميري عليكم سعيد بن عامر، قام الناطق الرسمي بلسانهم، قال: فيه كل خير إلا أربع خلال فيه.
قال عمر: الله المستعان! اللهم لا تخيب ظني فيه، ما هي الأربع؟ قال: أولها: لا يخرج إلينا يوماً في الأسبوع ولا نراه، قال: هذه واحدة، والثانية؟ قالوا: من بعد صلاة العشاء مهما طرقنا عليه لا يخرج إلينا، قال: هذه ثانية، والثالثة؟ قالوا: لا يخرج علينا حتى يرتفع النهار ضحى، قال: هذه ثالثة -يعني يتأخر في الدوام- والرابعة، قالوا: إذا جلس في الحكم وفي دار الإمارة يغمى عليه، قال: هذه الرابعة، قال عمر: أجب يا سعيد.
فقال سعيد: ما أردت أن أظهر شيئاً من عملي بعد أن كتمه الله، ولكن ما دام أنك قد سألتني يا أمير المؤمنين فاسمع.
قال: الأولى: أما أني لا أخرج لهم يوماً في الأسبوع، فإن امرأتي مريضة، وليس لي خادم، فأنا أغسل ثيابي وثيابها يوماً من الأسبوع، فدمعت عينا عمر وشكره.
وأما أني لا أخرج عليهم حتى يتعالى النهار، فامرأتي كما قلت مريضة ولا خادم لي، فأنا أصنع الطعام وأفطر أنا وزوجتي، ثم أتوضأ وأخرج إليهم.
وأما أني لا أخرج لهم من بعد العشاء ولا أفتح الباب، فقد جعلت النهار لهم والليل لربي.
وأما قولهم إنه يغمى علي في المجلس، فإني حضرت قتل خبيب بن عدي في مكة وكنت مشركاً، وكان خبيب مسلماً، فاجتمع المشركون حوله ليقتلوه، فرأيته يرفع على الخشبة وهو يقول: [[اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً]].
ثم قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
فكلما ذكرت ذاك الموقف وأني ما نصرته أغمي علي، وغشي علي، فبكى عمر وبكى الناس، وقال: الحمد لله الذي لم يخيب ظني فيك، فقام سعيد بن عامر وقال: خذ إمارتك يا أمير المؤمنين، والله لا أتولى بعدها لك ولاية.