أما بالنسبة للعمال الذين يجلبهم الإنسان إلى البلاد ويقول: اذهبوا وعليكم كل شهر كذا وكذا من الدراهم، فإن هذا حرامٌ وظلم ومخالف لنظام الدولة، والعقد على هذا الوجه باطل، فليس لصاحب العمل شيء مما فرضه على هؤلاء العمال؛ لأن العامل ربما يكدح ويتعب ولا يحصل ما فرضه عليه كفيله، وربما لا يحصل شيئاً أبداً، فكان في هذا ظلم.
أما العبيد فهم عبيد الإنسان، مالهم وما في أيديهم فهو له.
هذا الغلام لأبي بكر، كان أبو بكر قد خارجه على شيء معين يأتي به إليه كل يوم، وفي يوم من الأيام قدّم هذا الغلام طعاماً لأبي بكر فأكله فقال: أتدري ما هذا؟ قال: وما هو؟ قال: هذا عوض عن أجرة كهانة تكهنت بها في الجاهلية وأنا لا أحسن الكهانة، لكنى خدعت الرجل فلقيني فأعطاني إياها.
وعوض الكهانة حرام، سواء كان الكاهن يحسن صنعة الكهانة أو لا يحسن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ((حُلوان الكاهن)) كما في الحديث الآتي:
(حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال:
نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحُلوان الكاهن.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن) أي ما يأخذه على كهانته عن إخباره عن الكائنة المستقبلة بزعمه وهو بضم الحاء وسكون اللام من حلوت الرجل حبوته بشيء أعطيته إياه أو من الحلاوة شبه ما يعطى الكاهن بشيء حلو لأخذه إياه سهلاً بلا كلفة يقال حلوته أطعمته الحلو والنهي يشمل الآخذ والمعطي وفي الأحكام السلطانية ينهى المحتسب من يتكسب بالكهانة واللهو ويؤدَّب عليه الآخذ والمعطي.
فلما قال لأبي بكر هذه المقالة، أدخل أبو بكر يده في فمه فقاء كلّ ما أكل، كل ما أكل قاءه وأخرجه من بطنه لماذا؟ لئلا يتغذى بطنه بحرام. وهذا مال حرام؛ لأنه عوض عن حرام، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه)).
فالأجرة على فعل الحرام حرام، ومن ذلك تأجير بعض الناس دكاكينهم على الحلاقين الذين يحلقون اللحى، فإن هذه الأجرة حرام ولا تحل لصاحب الدكان؛ لأنه استؤجر منه لعمل محرم.