وتفصيل ذلك الورع عن المباحات التي تشغل عن الله والآخرة ويكون عمله موافقاً للسنّة فلا يتورّع عن الزواج و الطعام مثلاً.
والورع كما تقدم إذاً عما هو محرم وعن كل شبهة وعن بعض الحلال الذي يُخشى إذا أخذ منه أن يقع في الحرام وإذا أراد خاتمة الورع وأعلى درجة فيه فالورع عن كل ما ليس لله تعالى وبالتالي لو أن الإنسان أخذ من المباح بنية صالح (أكل بنية التقوِّي، نام بنية الاستيقاظ لقيام الليل، تزوج بنية النفقة على الزوجة وكسب الولد وإعفاف النفس وتكثير المسلمين ....... الخ .. ) تنقلب مباحاته إلى طاعات وعبادات وفي هذه الحالة لا يسوغ له التورّع عنها، لكن تتورع عن مباح قد يؤدي إلى حرام أو يشغل قلبك عن الله والدار الآخرة .. ؛ الورع في هذه الحالة سائغ.
والورع كلما أخذ به الإنسان كان أسرع جوازاً على الصراط وأخفّ ظهراً وتتفاوت في الآخرة بحسب التفاوت في درجات الورع وهو تجنب القبائح لصدق النفس وتوفير الحسنات وصيانة الإيمان وكذلك البعد عن حدود الله سبحانه وتعالى وكذلك فإن الإنسان المسلم ينتبه من الاقتراب من حدود الله، لأن الاقتراب منها يوشك أن يوقعه فيها، قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ) [البقرة: 187]، وقال تعالى: (ِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ) [البقرة: 229]، والحدود يراد بها أواخر الحلال حيث نهى عن القربان، والحدود من جهة أخرى قد يراد بها أوائل الحرام، فلا تتعدوا ما أباح الله لكم ولا تقربوا ما حرّم الله عليكم، فالورع يخلص العبد من قربان هذه وتعدّي هذه وهو اقتحام الحدود، فمجاوزة الحد في الحلال يمكن أن يوقعه في الكبائر العظيمة.
فإن الإثم ما حاك في صدرك وإن أفتاك عنه الناس كما في الحديث الآتي:
(حديث النواس ابن سمعان في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: البر حسن الخلق و الإثم ما حاك في صدرك و كرهت أن يطلع عليه الناس.
وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة فإنه من أصول الورع: (