{تنبيه}: (هناك مسألة مهمة جداً في الورع وهي قضية العلم، لأنه لا يمكن التورُّع بدون علم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلاماً مهماً في هذا؛ قال: " تمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع الواجبات ويفعل المحرمات ويرى ذلك من الورع، كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويرى ذلك ورعاً- فيأتي مثلاً جيش من المسلمين أميره لا يمكن تغييره وعنده فسق وهو في جهاد يقاتل الكفرة فجاء أحدهم فقال أنا أتورع أن أجاهد وراء هذا الفاسق، ماذا سيحصل؟؛ يجتاح العدو البلد وتقع الهزيمة في المسلمين. وأحدهم مات أبوه وعنده أموال مشبوهة وعليه ديون فلما جاء الناس يطالبون حقوقهم فقال الابن: أنا أتورّع أن أقضي ديون أبي من الشبهة فهذا الورع فاسد وهذا الإنسان جاهل، فالجهل يجعل بعض الناس يتركون واجبات بزعم الورع-، ويدع الجمعة والجماعة خلف الأئمة الذين فيهم بدعة- غير مكفّرة- أو فجور ويرى ذلك من الورع، ويمتنع عن قبول شهادة العباد وأخذ علم العالم لما في صاحبه من بدعة خفية، ويرى ترك قبول سماع هذا الحق الذي يجب سماعه من الورع".
(ومن القواعد في الورع ما نبه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: ((الواجبات والمستحبات لا يصلح فيها زهدٌ ولا ورع، وأما المحرمات والمكروهات فيصلح فيها الزهد والورع))، وقال رحمه الله أيضاً: ((أما الورع فإنه الإمساك عما يضر- عن المحرمات- أو قد يضر-الشبهات-، فتدخل فيه المحرمات والشبهات لأنها قد تضر فإنه من اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، وأما الورع عما لا مضرة فيه أو فيه مضرة مرجوحة لما تقترن به من جلب منفعة راجحة أو دفع مضرة أخرى راجحة فجهلٌ وظلمٌ وذلك يتضمن ثلاثة أقسام لا يُتَورَّع عنها: المنافع المكافئة والراجحة والخالصة، كالمباح المحض أو المستحب أو الواجب، فإن الورع عنها ضلالة)).
(أقسام الورع:
قسّم بعض العلماء الورع إلى ثلاث مراتب فقالوا:
1 - واجب وهو الإحجام عن المحرمات وهذا للناس كافة.
2 - الوقوف عن الشبهات ويفعله عدد أقل من الناس.
3 - الكفّ عن كثير من المباحات والاقتصار على أقل الضرورات وذلك للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.