(استدراج) أي أخذ بتدريج واستنزال من درجة إلى أخرى، فكلما فعل معصية قابلها بنعمة وأنساه الاستغفار فيدنيه من العذاب قليلاً قليلاً ثم يصبه عليه صباً. قال إمام الحرمين: إذا سمعت بحال الكفار وخلودهم في النار فلا تأمن على نفسك فإن الأمر على خطر، فلا تدري ماذا يكون وما سبق لك في الغيب، ولا تغتر بصفاء الأوقات فإن تحتها غوامض الآفات. وقال علي كرم الله وجهه: كم من مستدرج بالإحسان وكم من مفتون بحسن القول فيه. وكم من مغرور بالستر عليه، وقيل لذي النون: ما أقصى ما يخدع به العبد؟ قال: بالألطاف والكرامات {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} وفي الحكم: خف من وجود إحسانه إليك ودوام إساءتك معه أن يكون ذلك استدراجاً. والاستدراج الأخذ بالتدريج لا مباغتة. والمراد هنا تقريب الله العبد إلى العقوبة شيئاً فشيئاً، واستدراجه تعالى للعبد أنه كلما جدد ذنباً جدد له نعمة وأنساه الاستغفار فيزداد أشراً وبطراً فيندرج في المعاصي بسبب تواتر النعم عليه ظاناً أن تواترها تقريب من الله، وإنما هو خذلان وتبعيد.

(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله تعالى لَيملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:

(إن اللّه تعالى ليملي) بفتح اللام الأولى أي ليمهل والإملاء الإمهال والتأخير وإطالة العمر

(للظالم) زيادة في استدراجه ليطول عمره ويكثر ظلمه فيزداد عقابه كما قال تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران: 178] فإمهاله عين عقابه.

(حتى إذا أخذه) أي أنزل به نقمته

(لم يفلته) أي لم يفلت منه أو لم يفلته منه أحد أي لم يخلصه أبداً بل يهلكه لكثرة ظلمه بالشرك فإن كان مؤمناً لم يخلصه مدة طويلة بقدر جنايته، وقول بعضهم معنى لم يفلته لم يؤخره تعقبه ابن حجر بأنه يفهم أن الظالم إذا صرف عن منصبه أو أهين لا يعود إلى غيره والمشاهد في بعضهم بخلافه فالأولى جعله غالبياً من الإفلات وهو خروج من مضيق وتمام الحديث في البخاري: ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} وفيه تسلية للمظلوم ووعيد للظالم وأنه لا يغتر بالإمهال فإنه ليس بإهمال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015