(5) ترك التدبر يؤدي إلى قسوة القلب: قال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوَاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقّ وَلاَ يَكُونُواْ كَالّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16]. وهو من أنواع هجر القرآن الذي شكاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لربه: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)
[الفرقان:30]
السبب الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فإنها موصلة إلى درجة المحبوب بعد المحبة.
وذلك لأنها توصل إلى درجة المحبة وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته.
فتضمن هذا الحديث الإلهي الشريف حصر أسباب محبة الله في أمرين: أداء فرائضه، والتقرب إليه بالنوافل. وأخبر سبحانه أن أداء الفرائض أحب ما يتقرب إليه المتقربون ثم بعدها النوافل، وأن المحب يستكثر من النوافل، لا يزال يكثر منها حتى يصير محبوباً لله فإذا صار محبوباً شغلته المحبة عن أي أفكار وخواطر أخرى أجنبية غريبة عن العبادة فلا تخطر على باله وإذا جاءت تنصرف وتنطرد بسرعة، لأنه صار عنده من مراقبة الله ما يمنع هذه الأفكار من الورود ويكون عنده من المهابة والعظمة لربه ما يمنع من الانشغال بأي شيء أجنبي عن العبادة، ويكون عنده من الإجلال لله والأنس به والشوق إليه ما يجعله دائماً ذاكراً تالياً عابداً عاملاً.