قال الطيبي: شبه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يأباه بالصبر فإنه مرّ المذاق لكن عاقبته محممودة. قال بعض العارفين: من أمراض النفس التي يجب التداوي منها أن يقول الإنسان أنا أقول ولا أبالي وإن كره المقول له من غير نظر إلى الفضول ومواطنه ثم تقول: أعلنت الحق وعز عليه ويزكي نفسه ويجرح غيره ومن لم يجعل القول في موضعه أدى إلى التنافر والتقاطع والتدابر ثم إن بعد هذا كله [ص 77] لا يكون ذلك إلا ممن يعلم ما يرضي اللّه من جميع وجوهه المتعلقة بذلك المقام لقوله سبحانه وتعالى {لا خير في كثير من نجواهم} الآية ثم قال: {ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه} ثم زاد في التأكيد في قول الحق قوله (لا تخف في اللّه لومة لائم) أي كن صلباً في دينك إذا شرعت في إنكار منكر وأمر بمعروف وامض فيه كالمسامير المحماة لا يرعك قول قائل ولا اعتراض معترض (ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك) أي ليمنعك عن التكلم في أعراض الناس والوقيعة فيهم ما تعلم من نفسك من العيوب فقلما تخلو أنت من عيب يماثله أو أقبح منه وأنت تشعر أو لا تشعر (ولا تجد عليهم فيما يأتون) أي ولا تغضب عليهم فيما يفعلونه معك يقال وجد عليه موجدة غضب (وكفى بالمرء عيباً أن يكون فيه ثلاث خصال أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه) أي يعرف من عيوبهم ما يجهله من نفسه (ويستحي مما هو فيه) أي ويستحي منهم أن يذكروه مما هو فيه من النقائص مع إصراره عليها وعدم إقلاعه عنها (ويؤذي جليسه) بقول أو فعل ولهذا روي أن أبا حنيفة كان يحيي نصف الليل فمرّ يوماً في طريق فسمع إنساناً يقول هذا الرجل يحيي الليل كله فقال: أرى الناس يذكرونني بما ليس فيَّ فلم يزل بعد ذلك يحيي الليل كله وقال: أنا أستحي من اللّه أن أوصف بما ليس فيَّ من عبادته (يا أبا ذر لا عقل كالتدبير) أي في المعيشة وغيرها والتدبير نصف المعيشة (2) (ولا ورع كالكف) أي كف اليد عن تناول ما يضطرب القلب في تحليله وتحريمه فإنه أسلم من أنواع ذكرها المتورعون من التأمل في أصول المشتبه والرجوع إلى دقيق النظر عما حرمه اللّه (ولا حسب) أي ولا مجد ولا شرف (كحسن الخلق) بالضم إذ به صلاح الدنيا والآخرة وناهيك بهذه الوصايا العظيمة القدر الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر فأعظم به من حديث ما أفيده.
(والتقوى جماع كل خير بنص السنة الصحيحة كما جاء في الحديث الآتي: (