وجاء يوم ذَهَبَتْ فيه خادمتي إلى بلدها، وكنت بانتظار مجيء أخرى، فجاءتني جارتي وأنا منشغلة ببعض أعمال البيت، فاقترحت عليّ الاستغناء عن الخادمة، وكان موعد قدومها عصر ذلك اليوم، فقدر الله عزّ وجل أن يتأخّر قدومها أسبوعاً كاملاً، فكانت جارتي تأتيني فتجدني في البيت، فتساعدني في بعض الأعمال، وتُسرّ بي سروراً كبيراً، وكنت أنا في الوقت نفسه قد أحببتها، ورأيتها امرأة مرحة، لا كما كنت أتصوّر، فإنّ زوجي من الملتزمين، ولكنّه كان دائماً عابس الوجه، مقطّب الجبين، فكنت أظن أنّ ذلك هو دأب الملتزمين جميعاً، حتّى رأيت هذه المرأة وعاشرتها، فتغيّرت الصورة التي كانت في ذهني عن الملتزمين.

وبعد ذلك بأيام توفيت قريبة لي، فذهبت للعزاء، فإذا امرأة كانت تتكلّم عن الموت، وما يجري للإنسان عند موته بدءاً من سكرات الموت وخروج الروح، ومروراً بالقبر وما فيه من الأهوال والسؤال، وانتهاءً بدخول الجنّة أو النار .. عندها توقفت مع نفسي قائلة .. إلى متى الغفلة، والموت يطلبنا في كل وقت وفي كل مكان، وفكّرت .. وفكرت، فكانت هذه هي البداية، وفي صباح اليوم التالي وجدت نفسي وحيدة ولأول مرة أحس بالخوف .. فقد تذكرت وحدة القبر وظلمته ووحشته، فكنت ألجأ إلى جارتي المخلصة لتسليني، فكانت تجيء إليّ بالكتب الوعظية النافعة، فكنت عند ما أقرأها أحسّ وكأنّني أنا المخاطبة بما فيها، خاصّة فيما يتعلّق بمحاسبة النفس، وظللت أقرأ وأقرأ حتّى شرح الله صدري للهدى والحقّ، وذقت طعم الإيمان، عندها أحسست بالسعادة الحقيقيّة التي كنت أفتقدها من قبل، وتغيّرت نظرتي للحياة، فلم أعد تلك الإنسانة اللاهية العابثة المستهترة، وابتعدت عن رفيقات السوء، وكرهت الأسواق، بل كرهت الخروج من المنزل إلّا لحاجة أو ضرورة ماسّة، والتحقت بدار الذكر لتحفيظ القرآن الكريم، وهذا كلّه بفضل الله ثمّ بفضل الصحبة الصالحة، والدعوات المخلصة بظهر الغيب من جارتي وزوجي، ولله الحمد والمنّة.

(توبة فتاة من شرك المعاكسات (?):

تقول هذه الفتاة:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015