لقد كنت منذ الصغر أحضر الدروس وحلقات الذكر في المساجد، وقد شاهدني شيخ الطريقة النقشبندية فأخذني إلى زاوية المسجد، وبدأ يعطيني أوراد الطريقة النقشبندية، ولكن لصغر سنّي لم أستطع أن أقوم بها، لكنّي كنت أحضر مجالسهم مع أقاربي في الزوايا، وأستمع إلى ما يردّوونه من أناشيد وقصائد، وحينما يأتي ذكر اسم الشيخ كانوا يصيحون بصوت مرتفع، فيزعجني هذا الصوت المفاجئ، ويسبب لي الرعب والهلع، وعند ما تقدّمت بي السنّ بدأ قريب لي يأخذني إلى مسجد الحيّ لأحضر معه ما يسمّى بالختم، فكنّا نجلس على شكل حلقة، فيقوم أحد الشيوخ ويوزّع علينا الحصى ويقول: ((الفاتحة الشريفة، الإخلاص الشريف))، فنقرأ بعدد الحصى سورة الفاتحة وسورة الإخلاص، والاستغفار والصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصيغة التي يحفظونها، ويجعلون ذلك آخر ذكرهم. ثم يقول الشيخ الموكّل، لأنّ الشيخ ـ بزعمهم ـ هو الذي يربطهم بالله؛ فيهمهمون، ويصيحون، ويعتريهم الخشوع، حتّى إنّ أحدهم ليقفز فوق رؤوس الحاضرين كأنّه البهلوان من شدّة الوجد .. إلى آخر ما كانوا يفعلونه من البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
كيف اهتديت إلى التوحيد؟
كنت أقرأ على شيخي الصوفيّ حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما، وهو قول النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله .. ))
فأعجبني شرح الإمام النوويّ رحمه الله حين قال: (ثمّ إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه، كطلب الهداية والعلم، وشفاء المرضى، وحصول العافية، سأل ربّه ذلك. وأمّا سؤال الخلق، والاعتماد عليهم فمذموم)).
فقلت للشيخ: هذا الحديث وشرحه يفيدان عدم جواز الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
فقال لي: بل تجوز!!
قلت له: وما الدليل؟ فغضب الشيخ، وصاح قائلاً: إنّ عمّتي كانت تقول: يا شيخ سعد (وهو من الأولياء المزعومين الأموات) فأقول لها: يا عمّتي، وهل ينفعك الشيخ سعد؟ فتقول: أدعوه فيتدخّل على الله فيشفيني!!
قلت له: إنّك رجل عالم، قضيت عمرك في قراءة الكتب، ثمّ تأخذ عقيدتك من عمّتك الجاهلة!!
فقال لي: عندك أفكار وهّابيّة! (نسبة إلى الشيخ المجدد محمّد بن عبد الوهّاب رحمه الله).