كان لبعض العصاة أمٌ تعظه ولا ينثني فمر يوماً بالمقابر فرأى عظما ناخرة فمسه فانفت في يده فأنفت نفسه فقال لنفسه أنا غدا هكذا فعزم على التوبة فرفع رأسه إلى السماء وقال يا إلهي اقبلني وارحمني ثم رجع إلى أمه حزينا فقال يا أماه ما يصنع بالآبق إذا أخذه سيده فقالت يغل قدميه ويديه ويخشن ملبسه ومطعمه قال يا أماه أريد جبة من صوف وأقراصا من شعير وافعلي بي ما يفعل بالعبد الآبق من مولاه لعل مولاي يرى ذلي فيرحمني ففعلت به ما طلب فكان إذا جن عليه الليل أخذ في البكاء والعويل فقالت له أمه ليلة يا بني ارفق بنفسك فقال يا أماه إن لي موقفاً طويلا بين يدي رب جليل فلا أدري أيؤمر بي إلى ظل ظليل أو إلى شر مقيل إني أخاف عناء لا راحة بعده أبداً وتوبيخاً لا عفو معه، قالت فاسترح قليلاً فقال الراحة أطلب يا أماه كأنك بالخلائق غداً يساقون إلى الجنة وأنا أساق إلى النار فمرت به ليلة في تهجده هذه الآية (فَوَرَبّكَ لَنَسْأَلَنّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الحجر 92، 93]
فتفكر فيها وبكى واضطرب وغشي عليه فجعلت أمه تناديه ولا يجيبها فقالت له قرة عيني أين الملتقى فقال بصوت ضعيف إن لم تجديني في عرصةِ القيامة فسلي مالكاً عني ثم شهق شهقة فمات رحمه الله فخرجت أمه تنادي أيها الناس هلموا إلى الصلاة على قتيل النار فلم ير أكثر جمعا ولا أغزر دمعا من ذلك اليوم هذه والله علامة المحبين وأمارات الصادقين وصفات المحزونين.
سبحان من وفق للتوبة أقواماً ثبت لهم على صراطها أقداماً، كفوا الأكف عن المحارم احتراما، وأتعبوا في استدراك الفارط عظاماً، فكفر عنهم ذنوباً وآثاماً، ونشر لهم بالثناء على ما عملوا أعلاما.
(ثانياً: قصصٌ للتائبين المعاصرين لأنها أوقع في النفس:
إنّ قصص التائبين لا تنقضي، وأخبارهم لا تنتهي، فمع إشراقة شمس كلّ يوم جديد يتوب إلى الله تائب، ويؤوب إلى حظيرة الإيمان آيب، فطوبى لمن بادر بالتوبة النصوح قبل خروج الروح، وأَخَذ من صحته لسقمه ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، ومن غناه لفقره.
،