[*] (قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في حال من يتطلع، ويمد طرفه إلى أرباب الدنيا: فإياك إن تنظر إلى صورة نعيمهم؛ فإنك تستطيبه؛ لبعده عنك، ولو قد بلغته كرهته، ثم في ضمنه من محن الدنيا والآخرة ما لا يوصف؛ فعليك بالقناعة مهما أمكن ففيها سلامة الدنيا والدين.
وقد قيل لبعض الزهاد وعنده خبز يابس: كيف تشتهي هذا؟ فقال: أتركه حتى أشتهيه (?).
[*] (قال الحسن رحمه الله تعالى في العصاة: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم؛ أبى الله إلا أن يُذلَّ من عصاه (?).
فأهل المعصية يجدون في أنفسهم الذلة، والشقاء، والخوف، حتى وإن رآهم الناس بخلاف ذلك، ولو تظاهروا بالسعادة والسرور، ولو كانوا من الشهرة وبعد الصيت بمكان عال، ولو كانت الدنيا طوع أيمانهم وشمائلهم؛ فالذل والضنك لا يفارقهم، بل يزيد كلما زادوا بعداً عن ربهم.
[*] (قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولهذا تجد القوم الظالمين أعظم الناس فجوراً، وفساداً، وطلباً لما يروِّحون به أنفسهم من مسموع، ومنظور، ومشموم، ومأكول، ومشروب، ومع هذا فلا تطمئن قلوبهم بشيء من ذلك، هذا فيما ينالونه من اللذة، وأما ما يخافونه من الأعداء فهم أعظم الناس خوفاً، ولا عيشة لخائف.
وأما العاجز منهم فهو في عذاب عظيم، لا يزال في أسف على ما فاته، وعلى ما أصابه.
أما المؤمن فهو مع مقدرته له من الإرادة الصالحة، والعلوم النافعة ما يوجب طمأنينة قلبه، وانشراح صدره بما يفعله من الأعمال الصالحة، وله من الطمأنينة وقرة العين ما لا يمكن وصفه.
وهو مع عجزه أيضاً له من أنواع الإرادات الصالحة، والعلوم النافعة التي يتنعم بها ما لا يمكن وصفه (?).
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى متحدثاً عن أضرار المعاصي: ومنها المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ، والعذابُ في الآخرة.
قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124]
وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، ولا ريب أنه من المعيشة الضنك، والآية تتناول ما هو أعم منه، وإن كانت نكرة في سياق الإثبات؛ فإن عمومها من حيث المعنى؛ فإنه_سبحانه_رتب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذكره.