فهل اطلع على تلك الحال من يريدون أن تكون بلاد الإسلام كتلك البلاد تهتكاً، وتوقحاً، ودعارة، وفساداً؟

وهل يريدون أن يكون مصير بلاد الإسلام كذلك المصير؟

إن كانوا لم يطلعوا فتلك مصيبة، وإن كانوا مطلعين فالمصيبة أعظم.

(تنبيه حول معنى السعادة:

وبعد أن تبين من خلال ما مضى حال أكثر الناس مع السعادة فهل يعني ذلك أن يتخلى الناس عن دنياهم، وجميع ملذاتهم، ووجاهاتهم، ورياساتهم؟

وهل يفهم من ذلك أن يعيش الواحد منهم مجانباً للزينة، ميت الإرادة عن التعلق بشهواته على الإطلاق؟

والجواب: لا؛ ليس الأمر كذلك؛ فلا بد للناس من دنياهم؛ فالإسلام أَذِنَ في اكتساب الأموال، وحث على العمل، ونعى البطالة، ولم يَحْرم الناس أن يستمتعوا بحياتهم، وأن يروحوا الخاطر بنعيمها؛ شريطة الاقتصاد.

قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ) [الأعراف: 32]

وقال في الآية التي قبلها: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31]

فلا ينافي السعادة أن يستمتع الإنسان بما أباح الله له، وليس من شرط السعادة أن يتخلى الإنسان عن جميع شهواته.

وليس من شرطها كذلك أن يتخلى الإنسان عن دينه، ويطلق العنان لنزواته وشهواته.

بل إن شرط السعادة الأعظم أن يكون الإنسان متمسكاً بدينه، عاضاً عليه بالنواجذ؛ فذلك سر السعادة، وينبوعها الأعظم.

وحينئذ تكون الشهرة، والمال، والجاه، والرياسة أسباباً للسعادة، ومكملات لها؛ لأنها اعتمدت على ركن ثابت لا يتغير، ولا يحول؛ فلا يُلَامُ الإنسان بعد ذلك أن يكون ذا شهرة، أو مال، أو وجاهة أو رياسة.

وإذا اطلعت على أثر يقتضي البعد عن الوجاهة فإنه مصروف إلى الحرص في طلبها، والتصنع لإحراز سمعة في المجامع الحافلة، والبلاد القاصية.

أما إذا اندفعت همة الرجل إلى المكارم؛ بجاذب ابتغاء الفضيلة، وطفق ذكره يتسع على حسب مساعيه الحميدة فذلك خير من العزلة، والاختباء في زوايا الخمول.

بل لا يُلَامُ الإنسان إذا سعى للرياسة إذا كان يرى من نفسه الكفاءة والقدرة، ولا يريد أن يتخذ من رياسته حبالة لا يتعدى نفعها إلى الأمة، وإنما يريد نشر الخير، وبسط العدل، ورفع الظلم؛ فذلك موعود بالتسديد والإعانة في الدنيا، وبالإظلال في ظل عرش الرحمن في الآخرة يوم لا ظل إلا ظله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015