كل من في الوجود يطلب صيداً ... غير أن الشباك مختلفات
فأكثر الناس عشيت بصائرهم أو عميت عن حقيقة السعادة وسرها الأعظم، فلا سعادة عندهم إلا سعادة المشاهير من أهل الفن، والمال، والرياضة، والوجاهة، والرياسة وغير ذلك من الأمور التي تأخذ بالألباب.
ولا يعرفون السعادة إلا بإطلاق الشهوات، والتمتع بسائر الملذات، وإذا فاتهم ذلك قالوا: على الدنيا العفاء.
هذه نظرة هؤلاء للسعادة؛ فهل تلك النظرة صائبة؟ وهل أهل الفن، والمال، والرياضة، والوجاهة، والرياسة سعداء حقَّاً؟ وهل المجتمعات التي أطلقت لنفسها الشهوات، وتمتعت بسائر الملذات سعيدة حقَّاً؟
والجواب عن ذلك إنما يكون بالنظر إلى أحوال أولئك وأقوالهم؛ لتستبين حقيقة الأمر؛ فإليك نبذة عن أحوال أولئك مع السعادة فيما يلي من أسطر:
أولاً: حال أهل الفن مع السعادة:
إن أهل الفن أنفسهم من مغنين وممثلين يعرفون بأن السعادة في وادٍ وهم في وادٍ، آخر؛ فالشقاء، والتعاسة، والحرمان، والحسد، والعذاب النفسي، والخوف من السقوط، والحذر من فقدان الحظوة عند الجمهور، كل ذلك طابع حياتهم باعترافاتهم أنفسهم.
وإليك هذه النماذج من أحوال أهل الفن:
(1) أسمهان: هذا هو الاسم الفني الذي اشتهرت به المطربة الفنانة السورية آمال الأطرش، تلك المرأة التي تربت عند أهلها في جبل الدروز، وبدأت حياتها الفنية وهي شابة في الغناء، فذاع صيتها واشتهرت وسط المعجبين والحاسدين.
وكانت مبهورة بالغرب لكنها لم تستطع في بداية أمرها أن تعيش مثل الغربيين؛ لأنها تربت في مجتمع محدود.
ثم انتقلت وهي صغيرة إلى مجتمع أكثر انفتاحاً وهو مجتمع القاهرة في الأربعينات الميلادية، وكانت تملك قدرة نادرة على الإغراء، وكانت طبقات صوتها تُوائِم مختلف الطبقات الموسيقية مما جعلها منافساً قوياً لأم كلثوم.
هذه المرأة عاشت حياة الشقاء، فلقد تزوجت زواجاً تعيساً، ثم انفصلت عن زوجها وابنتها وعملت لحساب الإنجليز، وكانت تطمح بهوليود.
وقصة هذه المرأة يطول ذكرها، فلقد كثر الجدال في شأنها وكتب حولها كتابات عديدة، وآخر أمرها أنها وجدت غريقة داخل سيارتها الرولس رويس في قناة متفرعة عن نهر النيل في الدلتا شمال القاهرة، وكان عمرها آنذاك اثنتين وثلاثين سنة، ولا تزال ملابسات موتها غامضة إلى يومنا هذا (?).