وقد تمتد هذه الأراييح (?) بعد الموت على قدرها؛ فمنهم من يذكر بالخير مدة مديدة ثم ينسى، ومنهم من يذكر مائة سنة ثم يخفى ذكره، وقبره، (?) ومنهم أعلام يبقى ذكرهم أبداً.

وعلى عكس هذا من هاب الخلق، ولم يحترم خلوته بالحق فإنه على قدر مبارزته بالذنوب، وعلى مقادير تلك الذنوب_يفوح منه ريح الكراهة، فتمقته القلوب.

فإن قلَّ مقدار ما جنى قل ذكر الألسن له بالخير، وبقي مجرد تعظيمه.

وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه، ولا يذمونه.

وربَّ خالٍ بذنب كان سبب وقوعه في هُوَّة شِقْوة في عيش الدنيا والآخرة، وكأنه قيل له: ابق بما آثرت؛ فيبقى أبداً في التخبيط.

فانظروا إخواني إلى المعاصي أثَّرت، وعَثَّرت.

[*] (قال أبو الدرداء رحمه الله تعالى: إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.

فتلمحوا ما سطرته، واعرفوا ما ذكرته، ولا تهملوا خلواتكم ولا سرائركم؛ فإن الأعمال بالنية، والجزاء على مقدار الإخلاص (?).

[*] (وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: إنه بقدر إجلالكم لله عز وجل يجلكم، وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظم أقداركم وحرمتكم.

ولقد رأيت والله من أنفق عمره في العلم إلى أن كَبِرت سنُّه، ثم تعدى الحدود، فهان عند الخلق، وكانوا لا يلتفتون إليه مع غزارة علمه، وقوة مجاهدته.

ولقد رأيت من كان يراقب الله عز وجل في صبوته مع قصوره بالإضافة إلى ذلك العالم فَعَظَّم اللهُ قدره في القلوب، حتى عَلِقَتْهُ، ووصفته بما يزيد على ما فيه من الخير.

ورأيت من كان يرى الاستقامة إذا استقام (?)، وإذا زاغ مال عنه اللطف.

ولولا عموم الستر، وشمول رحمة الكريم لافتضح هؤلاء المذكورون، غير أنه في الأغلب تأديب، أو تلطف في العقاب (?).

(التوبة طريق السعادة:

لا ريب أن الوقوف على سر السعادة ومعناها الحقيقي من أعظم الدوافع للتوبة النصوح، والإقبال على الله عز وجل، ذلك أن من أعظم الدوافع لفعل المعاصي وترك الطاعات هو البحث عن السعادة والراحة؛ فالعالم بأسره مؤمنه وكافره، وبره وفاجره يبتغي السعادة ويروم طرد الهم والقلق.

ولكن ما أقل من يهتدي إلى ذلك السبيل، وما أكثر من يحيد عنه يمنة ويسرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015