[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تقرير هذا المعنى: وقريب من هذا ما قام بقلب البغي التي رأت ذلك الكلب، وقد اشتد به العطش يأكل الثرى، فقام بقلبها ذلك الوقت مع عدم الآلة، وعدم المعين، وعدم من ترائيه بعملها ما حملها على أن غَرَّرَت بنفسها في نزول البئر، وملء الماء في خفها، ولم تعبأ بتعرضها للتلف، وحَمْلِها خُفَّها بفيها وهو ملآن، حتى أمكنها الرقيُّ من البئر، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكوراً؛ فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فَغُفر لها.
فهكذا الأعمال والعمال عند الله، والغافل في غفلة من هذا الإكسير (?) الكيماوي الذي إذا وضع منه مثقال ذرة على قناطير من نحاس الأعمال قلبها ذهباً والله المستعان (?).
(والحاصل أن الذي يبتلى بفعل المعاصي لا يسوغ له ترك الأعمال الصالحة ولو كانت يسيرة في نظره؛ فلربما كان ذلك سبباً في ترجح كفة حسناته.
(انقلاب الكبيرة صغيرة وانقلاب الصغيرة كبيرة:
مسألة: هل من الممكن أن تنقلب الذنوب الصغيرة إلى كبيرة؟
الجواب:
قد تنقلب الذنوب الصغيرة إلى كبيرة وقد تنقلب الذنوب الكبيرة إلى صغيرة، وهذه مسألة ينبغي التفطن لها؛ فقد يقترن بالكبيرة من الحياء، والخوف، والاستعظام لها ما يُلْحِقُها بالصغائر.
وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ما يُلْحقُها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها.
وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره (?).
فالصغائر من الذنوب تكبر وتعظم بأسباب منها (?):
(أ) الإصرار والمواظبة: ولذلك قيل: لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار.
فالعفو عن كبيرة قد انقضت، ولم يتبعها مثلها أرجى من العفو عن صغيرة يواظب العبد عليها.
ومثال ذلك قطرات من الماء تقع على حجر متواليات؛ فإنها تؤثر فيه.
ولو جمعت تلك القطرات في مرة، وصبت عليه لم تؤثر.