مسألة: إذا كان للعبد حال أو مقام مع الله، ثم نزل عنه لذنب ارتكبه ثم تاب منه؛ فهل يعود بعد التوبة إلى مثل ما كان أو لا يعود؟ أو يعود إلى أنقصَ من رتبته؟ أو يعود خيراً مما كان؟
الجواب:
أن هذه المسألة قد اختلف فيها السلف على أقوال شتى، ومن أحسن من أجاب على تلك المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فلقد فَصَلَ الخطاب في هذه المسألة بكلام كافٍ شاف.
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في معرض كلامه على المسألة الماضية: وجرت هذه المسألة بحضرة شيخ الإسلام ابن تيمية فسمعته يحكي هذه الأقوال الثلاثة حكاية مجردة؛ فإما سألته، وإما سئل عن الصواب منها فقال: الصواب أن من التائبين من يعود إلى مثل حاله، ومنهم من يعود إلى أكمل منها، ومنهم من يعود إلى أنقص مما كان؛ فإن كان بعد التوبة خيراً مما كان قبل الخطيئة وأشد حذراً، وأعظم تشميراً، وأعظم ذلاً وخشية وإنابة عاد إلى أرفع مما كان.
وإن كان قبل الخطيئة أكمل في هذه الأمور ولم يعد بعد التوبة إليها عاد إلى أنقص مما كان عليه.
وإن كان بعد التوبة مثل ما كان قبل الخطيئة رجع إلى منزلته.
هذا معنى كلامه (?).
وعلى هذا فإنه ينبغي التفطن لهذه المسألة خصوصاً من كان له حال مع الله، وكان ذا خشية، وعلم، وتألُّه، وإنابة، ومسارعة إلى الخيرات، ثم طاف به طائف من الشيطان، فَأزَلَّه، وأغواه، وطوَّح به عن قصد السبيل، أو أنزله عن منزلته السابقة؛ ففقد أنسه بربه، ودب إليه الضعف والفتور، وترك ما كان يقوم به من خير ومسارعة.
وهذه مسألة تعتري كثيراً من الناس، فيستسلمون لها، ويركنون إلى خاطر اليأس من العودة إلى الحال السابقة، فيظنون أن لا رجعة إلى ما كانوا عليه من الخير والقرب من الله.
فعلى من وقعت له تلك الحال ألا يستسلم للشيطان، وألا ييأس من رجوعه إلى ما كان عليه من منزلة، بل عليه أن يجتهد بالتوبة النصوح، وأن يشمر عن ساعد الجد؛ لتدارك ما فات بالأعمال الصالحات؛ فلربما عاد إلى مقامه السابق، بل ربما عاد أكمل مما كان عليه.
وليس ذلك ببعيد على من كان ذا نفس شريفة، وهمة عالية، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد: 11]
ولا بعد من خير وفي الله مطمع ... ولا يأس من روح وفي القلب إيمان
(على كل عضو توبة: