[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن ذكر الأقوال والخلاف في هذه المسألة: =القول الثاني: وهو الصواب أن توبته ممكنة، بل واقعة؛ فإن أركان التوبة مجتمعة فيه، والمقدور له منها الندم، وفي المسند مرفوعاً: الندم توبة.
(حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الندم توبة و التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
فإذا تحقق ندمُه على الذنب، ولومُه نفسَه عليه فهذه توبة، وكيف يصح أن تسلب التوبة عنه مع شدة ندمه على الذنب، ولومه نفسَه؟ ولا سيما ما يتبع ذلك من بكائه، وحزنه، وخوفه، وعزمه الجازم، ونيته أنه لو كان صحيحاً والفعل مقدوراً له لما فعله.
وإذا كان الشارع قد نزَّل العاجز عن الطاعة منزلة الفاعل لها إذا صحت نيته كقوله في الحديث الصحيح:
(حديث أبي قتادة في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له ما كان يعمله وهو صحيحٌ مقيم.
وفي الصحيح أيضاً عنه:
(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن بالمدينة أقواما، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم. قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر.
[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
والمراد بالعذر: ما هو أعم من المرض وعدم القدرة على السفر.
(وقال أيضاً: وفيه أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل. أهـ
وله نظائر في الحديث فتنزيل العاجز عن المعصية التارك لها قهراً مع نيته تركَها اختياراً لو أمكنه منزلةَ التارك المختار أولى (?).
(ثم قال رحمه الله تعالى: يوضحه: أن مفسدة الذنب التي يترتب عليها الوعيد تنشأ من العزم عليه تارة، ومن فعله تارة.
ومنشأ المفسدة معدوم في حق هذا العاجز فعلاً وعزماً، والعقوبة تابعة للمفسدة.
وأيضاً فإن هذا تعذر منه الفعل ما تعذر منه التمني والوداد؛ فإذا كان يتمنى ويود لو واقع الذنب، ومن نيته: أنه لو كان سليماً لباشره فتوبته بالإقلاع عن هذا الوداد، والتمني، والحزن على فوته؛ فإن الإصرار مُتَصَور في حقه قطعاً، فَيُتصَوَّر في حقه ضده، وهو التوبة، بل هي أولى بالإمكان والتصورِ من الإصرار، وهذا واضح (?).