فحريٌّ بأهل الخير والدعوة والإصلاح أن يُعْنَوا بالتائبين، وأن يأخذوا بأيديهم إلى ما فيه صلاحهم ودوام استقامتهم، وزيادة إيمانهم، فيحرصوا على الإجابة عن أسئلتهم، وتيسير سبل التوبة لهم، ويسعوا في حل مشكلاتهم، وسداد ديونهم، والبحث عن أعمال لهم إذا كانوا عاطلين، ويبادروا إلى إبعادهم عن جلساء السوء، وربطهم بالرفقة الطيبة الصالحة، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2] و قال تعالى: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 3]
(14) غفلة الأمة عن التوبة: فإذا تحدث متحدث عن التوبة تبادر إلى الذهن توبة الأفراد فحسب، أما توبة الأمة بعامة فقلَّ أن تخطر بالبال.
وهذا من الأخطاء في باب التوبة؛ ذلك أن سنته عز وجل في الأفراد، وفي مغفرته للتائبين وعفوه عن المذنبين هي هي سنته سبحانه في الأمم والشعوب.
فالأمة التي تعود إلى طريق الرشاد، وتَصْدُق في التوبة والإنابة إلى رب العباد يفتح الله لها، ويرفع من شأنها، ويعيدها إلى عزتها ومجدها، وينقذها من وهدتها التي انحدرت إليها، وينجيها من الخطوب التي تحيط بها؛ نتيجة الذنوب التي ارتكبتها، والمنكرات التي أشاعتها من ربا، ومجون، وفسق وشرك، وبدع، وحكم بغير ما أنزل الله، وموالاة لأعداء الله، وتقصير في تبليغ دعوة الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك مما هو مؤذن بالعقوبة، وحلول اللعنة.
فإذا تابت إلى ربها متعها الله بالحياة السعيدة، وجعل لها الصولة والدولة، ورزقها الأمن والأمان، ومكن لها في الأرض.
قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) [النور: 55].
وإذا أردت مثالاً على توبة الأمة من القرآن الكريم فانظر إلى قوله تعالى: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [يونس: 98]