فلو كان الاحتجاج بالقدر على المعاصي مقبولاً لما كان هناك داع لإرسال الرسل.
(جـ) أن الله أمر العبد ونهاه، ولم يكلّفْه ما لا يستطيع، قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، وقال: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 86].
ولو كان العبد مجبراً على الفعل لكان مكلفاً بما لا يستطيع الخلاص منه، وهذا باطل؛ ولذلك إذا وقعت المعصية منه بجهل أو إكراه أو نسيان فلا إثم عليه؛ لأنه معذور.
(د) لو سلمنا للمحتج بالقدر على الذنوب لعطلنا الشرائع.
(هـ) لو كان الاحتجاج بالقدر على هذا النحو حجة لقبل من إبليس الذي قال كما أخبر الله عنه: (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف: 16]
(و) المحتج بالقدر على المعاصي يحرص على ما يلائمه في أمور دنياه، ولا يعدل عنه إلى ما لا يلائمه ثم يحتج بالقدر.
فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر؟.
وإليك مثالاً يوضح ذلك: لو أراد إنسان السفر إلى بلد ما، وهذا البلد له طريقان: أحدهما آمن مطمئن، والآخر كله فوضى، واضطراب، وقتل، وسلب؛ فأيهما سيسلك؟
لا شك أنه سيسلك الطريق الأول؛ فلماذا لا يسلك في أمر الآخرة طريق الجنة دون طريق النار؟!
(ز) ومما يرد به على ذلك المحتج ـ بناء على مذهبه ـ أن يقال له: لا تتزوج؛ فإن كان الله قد قضى لك بولد فسيأتيك وإلا فلن، ولا تأكل، ولا تشرب؛ فإن قدر الله لك شبعاً وريَّاً فسيكون، وإلا فلن، وإن هاجمك سَبُعٌ ضار فلا تَفِرَّ منه؛ فإن كان الله قد قدر لك النجاة فستنجو، وإن لم يقدرها لك فلن ينفعك الفرار، وإذا مرضت فلا تتداوَ؛ فإن قدر الله لك الشفاء شفيت وإلا فلن ينفعك الدواء.
فهل سيوافقنا على هذا القول أولا؟ إن وافَقنا علمنا فساد عقله، وإن خالفنا علمنا فساد قوله، وبطلان حجته.
ومما تجدر الإشارة إليه أن احتجاج كثير من هؤلاء ليس ناتجاً عن قناعة وإيمان، وإنما هو ناتج عن نوع هوىً ومعاندة؛ فذلك الاحتجاج باطل في الشرع، والعقل، والقدر (?).