فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما أن تضيع وقتاً إضاعتُه حسرة وندامة، وإما أن تثلم عرضاً توفيرُه أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تُذْهِب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه، وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامه خير من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذّ وأطيبُ من قضاء الشهوة، وإما أن تُطَرّقَ لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب هماً وغماً وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسي علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تشمت عدواً وتحزن وليَّاً، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول؛ فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق (?)

(17) استحضار أضرار الذنوب والمعاصي:

فإن للذنوب والمعاصي أضراراً عظيمةً، وعقوباتٍ متنوعةً، سواء في الدنيا أو في الآخرة، على مستوى الأفراد أو على مستوى الجماعات.

فمن أضرارها حرمان العلم والرزق، والوحشةُ التي يجدها العاصي في قلبه، وبينه وبين ربه، وبينه وبين الناس.

ومنها تعسير الأمور، وسواد الوجه، ووهن البدن، وحرمان الطاعة، وتقصير العمر، ومحق بركته.

ومنها ظلمة القلب، وضيقه، وحزنه، وألمه، وانحصاره، وشدة قلقه، واضطرابه، وتمزق شمله، وضعفه عن مقاومة عدوه، وتعَرِّيه من زينته.

ومنها أن المعاصي تزرع أمثالها، وتقوي في القلب إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ إرادة التوبة من القلب بالكلية، فيستمرىء صاحبها المعصية، وينسلخ من استقباحها.

ومنها أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه، وأن شؤمها لا يقتصر على العاصي، بل يعود على غيره من الناس والدواب.

ومنها أن المعصية تورث الذل، وتفسد العقل، وتدخل العبد تحت اللعنة، وتحرمه من دعوة الرسول"ودعوة الملائكة، ودعوة المؤمنين.

كما أنها تطفىء نار الغيرة من القلب، وتذهب الحياء، وتضعف في القلب تعظيم الرب، وتستدعي نسيان الله لعبده، وتَخْليته بينه وبين نفسه وشيطانه.

ومن أضرار المعاصي أنها تنزل الرعب في قلب العاصي، وتزيل أمنه، وتبدله به مخافة؛ فأخوف الناس أشدهم إساءة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015