فالعوائد هي السكون إلى الدعة والراحة، وما ألِفَهُ الناسُ واعتادوه من الرسوم، والأوضاع، التي جعلوها بمنزلة الشرع المتبع، بل هي عندهم أعظم من الشرع؛ فإنهم ينكرون على من خرج عنها وخالفها ما لا ينكرون على من خالف صريح الشرع.

والوصول إلى المطلوب موقوف على هجر العوائد؛ لأنها من أعظم الحجب والموانع بين العبد، وبين النفوذ إلى الله ورسوله" (?).

(14) هجر العلائق:

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما العلائق فهي كل ما تعلق به القلب دون الله ورسوله من ملاذِّ الدنيا، وشهواتها، ورياساتها، وصحبة الناس، والتعلق بهم.

ولا سبيل إلى قطع هذه الثلاثة ورفضها إلا بقوة التعلق بالمطلب الأعلى، وإلا فقطعها بدون تعلقه بمطلوبه ممتنع؛ فإن النفس لا تترك مألوفها ومحبوبها إلا لمحبوب هو أحب إليها منه، وآثر عندها منه.

وكلما قوي تعلقه بمطلوبه ضعف تعلقه بغيره وكذا بالعكس.

والتعلق بالمطلوب هو شدة الرغبة فيه، وذلك على قدر معرفته به، وشرفه، وفضله على ما سواه (?).

(15) إصلاح الخواطر والأفكار:

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى: مبدأ كل علم نظري، وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار؛ فإنها توجب التصورات، والتصوراتُ تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوعَ الفعل، وكثرةُ تكراره تعطي العادةَ؛ فصلاحُ هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادُها بفسادها؛ فصلاح الخواطر بأن تكون مراقبة لوليها وإلهها، صاعدةً إليه، دائرةً على مرضاته ومحابِّه؛ فإنه_سبحانه_به كل صلاح، ومن عنده كل هدى، ومن توفيقه كل رشد، ومن تولِّيه لعبده كل حفظ، ومن تولِّيه وإعراضه عنه كل ضلال وشقاء (?).

(وقال أيضاً: واعلم أن الخطراتِ والوساوسَ تؤدي متعلقاتها إلى الفكر، فيأخذها الفكرُ، فيؤديها إلى التذكر، فيأخذها التذكر فيؤديها إلى الإرادة، فتأخذها الإرادة فتؤديها إلى الجوارح والعمل، فتستحكم فتصير عادة؛ فَرَدُّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها.

ومعلوم أنه لم يُعْطَ الإنسانُ إماتةَ الخواطر، ولا القوةَ على قطعها؛ فإنها تهجم عليه هجوم النَّفَس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومساكنته له، وعلى دفع أقبحها، وكراهته له، وأنَفَته منه (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015