(وقال أيضاً: بالله عليك يا مرفوع القدر بالتقوى! لا تبع عزها بذل المعاصي، وصابر عطش الهوى في هجير المشتهى وإن أمَضَّ وأرمض (?) (?).

(وقال أيضاً: بالله عليك تذوَّق حلاوة الكفِّ عن المنهي؛ فإنها شجرة تثمر عز الدنيا وشرف الآخرة.

ومتى اشتد عطشك إلى ما تهوى فابسط أنامل الرجاء إلى من عنده الرِّيُّ الكامل، وقل: قَدْ عِيل صبر (?) الطبع في سِنِيِّه العجاف؛ فعَجِّلْ لي العام الذي فيه أُغاث، وأعصر (?).

(وقال أيضاً: إخواني! احذروا لجة هذا البحر، ولا تغتروا بسكونه، وعليكم بالساحل، ولازموا حصن التقوى؛ فالعقوبة مرة، واعلموا أن في ملازمة التقوى مراراتٍ من فقد الأغراض والمُشتهيات، غير أنها في ضرب المثل كالحمية تعقب صحة، والتخليط ربما جلب موت الفجأة (?).

(4) قصر الأمل وتذكر الآخرة:

فإذا تذكر المرء قِصَرَ الدنيا، وسرعة زوالها، وأدرك أنها مزرعة للآخرة، وفرصة لكسب الأعمال الصالحة، وتذكر ما في الجنة من النعيم المقيم، وما في النار من النكال والعذاب الأليم وعلم أن من زرع الشوك لا يجني عنباً، وعلم أن الجنة لا تنال بالكلام وإنما تنال بالجد والاهتمام والتطلع لرحمة الملك العلام أقصر عن الاسترسال في الشهوات، وانبعث إلى التوبة النصوح وتدارك ما فات بالأعمال الصالحات.

قَصِّر الآمالَ في الدنيا تَفُزْ ... فدليل العقل تقصير الأمل (?)

وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

(حديث بن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح البخاري) قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.

[*] (قال ابن رجب رحمه الله تعالى تعليقاً على هذا الحديث: وهذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطناً ومسكناً، فيطمئن فيها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015