(وقالوا: والعشق هو الداء الدوي الذي تذوب معه الأرواح، ولا يقع معه الارتياح، بل هو بحر من ركبه غرق؛ فإنه لا ساحل له، ولا نجاة منه (?).
قال أحدهم:
العشق مشغلة عن كل صالحة ... وسكرة العشق تنفي لذة الوسن (?)
وقال أبو تمام:
أما الهوى فهو العذاب فإن جرت ... فيه النوى فأليم كل عذاب (?)
وقال ابن أبي حصينة مبيناً ضرر العشق، غابطاً من لم يقع في أشراكه:
والعشق يجتذب النفوس إلى الردى ... بالطبع واحسدي لمن لم يَعْشَق (?)
وقال عبد المحسن الصوري:
ما الحب إلا مسلكٌ خَطرٌ ... عسر النجاة وموطىء زلق (?)
قالوا: والعشق يترك الملك مملوكاً، والسلطان عبداً (?).
قالوا: ورأينا الداخل فيه يتمنى منه الخلاص، ولات حين مناص، قال الخرائطي: أنشدني أبو جعفر العبدي:
إنِ اللهُ نجاني من الحب لم أعد ... إليه ولم أقبل مقالة عاذلي
ومن لي بمنجاة من الحب بعد ما ... رمتني دواعي الحب بين الحبائل (?)
وقال منصور النمري:
وإنَّ امرءاً أودى الغرامُ بُلُبِّه ... لعريان من ثوب الفلاح سليب (?)
[*] (وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إغاثة اللهفان:
ومن مكايده ومصايده: ما فتن به عشاق الصور:
وتلك لعمر الله الفتنة الكبرى والبلية العظمى التي استعبدت النفوس لغير خلاقها. وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عشاقها، وألقت الحرب بين العشق والتوحيد، ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد. فصيرت القلب للهوى أسيرا وجعلته عليه حاكما وأميرا. فأوسعت القلوب محنة. وملأتها فتنة، وحالت بينها وبين رشدها. وصرفتها عن طريق قصدها.
ونادت عليها في سوق الرقيق فباعتها بأبخس الأثمان، وأعاضتها بأخس الحظوظ وأدنى المطالب عن العالي من غرف الجنان، فضلا عما هو فوق ذلك من القرب من الرحمن، فسكنت إلى ذلك المحبوب الخسيس، الذي ألمهُا به أضعاف لذتها، ونَيْله والوصول إليه أكبر أسباب مضرتها، فما أوشكه حبيباً يستحيل عدواً عن قريب. ويتبرأ منه محبه لو أمكنه حتى كأنه لم يكن له بحبيب. وإن تمتع به في هذه الدار فسوف يجد به أعظم الألم بعد حين. لاسيما إذا صار الأخِلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوا إلا المتقين.