و العشق مسلك خطر، وموطىء زلق، غوائله لا تؤمن، وضحاياه لا تحصى، وأضراره لا يحاط بها.

وأهل العشق من أشقى الناس، وأذلِّهم، وأشغلهم، وأبعدهم عن ربهم.

[*] (قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: فإن الذي يورثه العشق من نقص العقل والعلم، وفساد الدين والخلق، والاشتغال عن مصالح الدين والدنيا أضعاف ما يتضمنه من جنس المحمود.

وأصدقُ شاهدٍ على ذلك ما يعرف من أحوال الأمم، وسماع أخبار الناس في ذلك؛ فهو يغني عن معاينة ذلك وتجربته، ومن جرب ذلك أو عاينه اعتبر بما فيه كفاية؛ فلم يوجد قط عشق إلا وضرره أعظم من منفعته (?).

(وقال أيضاً: وهؤلاء عشاق الصور من أعظم الناس عذاباً، وأقلهم ثواباً؛ فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقاً بها مستعبداً لها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى؛ فدوام تعلق القلب بها أشد ضرراً عليه ممن يفعل ذنباً ثم يتوب، ويزول أثره من قلبه.

وهؤلاء يُشَبَّهون بالسكارى والمجانين كما قيل:

سُكْران: سكر هوى وسكر مدامة ... ومتى إفاقةُ من به سكرانِ

وقيل:

قالو: جننت بمن تهوى فقلت لهم: ... العشق أعظم مما بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهرَ صاحبُه ... وإنما يُصْرَعُ المجنونُ في حين (?)

(وقال أيضاً متحدثاً عن حقيقة العشق: قيل: العشق هو فساد الإدراك، والتخيل والمعرفة؛ فإن العاشق يخيل له المعشوق على خلاف ما هو به، حتى يصيبه ما يصيبه من داء العشق.

ولو أدركه على الوجه الصحيح لم يبلغ إلى حد العشق وإن حصل له محبة وعلاقة (?).

(وقال أيضاً: وقيل: إن العشق هو الإفراط في الحب حتى يزيد على القصد الواجب؛ فإذا أفرط فيه كان مذموماً فاسداً مفسداً للقلب والجسم (?).

ولقد تظاهرت أقوال أهل العلم، والشعراء، والأدباء، ومن وقعوا في العشق في بيان خطورته، وعظيم ضرره.

قالوا: وإذا اقتحم العبد بحر العشق، ولعبت به أمواجه فهو إلى الهلاك أدنى منه إلى السلامة (?).

[*] (وقال بعض الحكماء: الجنون فنون، والعشق من فنونه (?).

وقالوا: وكم من عاشق أتلف في معشوقه ماله، وعرضه، ونفسه، وضيع أهله ومصالح دينه ودنياه (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015