وعلى قدر محبة الله تكون محبة كلامه؛ فمن أحب محبوباً أحب كلامه (?).

(وقال: وكذلك محبة ذكره سبحانه وتعالى من علامة محبته؛ فإن المحب لا يشبع من ذكر محبوبه، بل لا ينساه؛ فيحتاج إلى من يذكِّره.

وكذلك يحب سماع أوصافه وأفعاله وأحكامه؛ فعشق ذلك كله من أنفع العشق، وهو غاية سعادة العاشق.

وكذلك عشق العلم النافع، وعشق أوصاف الكمال من الجود، والعفة، والشجاعة، والصبر، ومكارم الأخلاق.

ولو صور العلم صورة لكان أجمل من صورة الشمس والقمر.

ولكن عشق هذه الصفات إنما يناسب الأنفس الشريفة الزكية، كما أن محبة الله ورسوله وكلامه ودينه إنما تناسب الأرواح العلوية السماوية الزكية، لا الأرواح الأرضية الدنية.

فإذا أردت أن تعرف قيمة العبد وقدره فانظر إلى محبوبه ومراده، واعلم أن العشق المحمود لا يعرض فيه شيء من الآفات المذكورة (?).

وصدق من قال:

ونفاسة الأشياء في غاياتها ... فاحمد رماءك إن أصبت نفيسا (?)

(9) الاغترار ببعض الأقوال التي تبيح العشق: فبعض الناس قد يستهين بشأن العشق، بحجة إباحته، وترخُّص بعض العلماء بذكر أقوال العشاق وذكر قصصهم وأخبارهم، أو بحجة أن بعض أهل الفضل قد وقع في أشراك العشق، أو بحجة أن للعشق بعض الفضائل حيث ذكر بعضهم أنه يزيد في رقة الطبع، وترويح النفس، وخفتها، ورياضتها، وحملها على مكارم الأخلاق من نحو الشجاعة، والكرم، والمروءة، ورقة الحاشية، وغير ذلك مما ذكر (?).

ومن ثم يقع في العشق من يقع، ثم يلاقي ويلاته ومراراته.

والجواب على ما مضى أن تلك الإيرادات والأقوال لا تقوم بها حجة؛ فالقول بإباحته، ونقل ذلك عن السلف قول غير مقبول؛ لأن الناقلين ذلك عنهم اتكأوا على نقولٍ لا تصح، أو نقولٍ لا تدل على ما ذهبوا إليه.

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في شأن تلك النقول: وشبههم التي ذكروها دائرة بين ثلاثة أقسام، أحدها: نقول صحيحة لا حجة لكم فيها.

والثاني: نُقولٌ كاذبة عمن نسبت إليه من وضع الفساق الفجار كما سنبينه.

الثالث: نُقولٌ مجملة محتملة لخلاف ما ذهبوا إليه (?).

ثم شرع رحمه الله في تفصيل ذلك.

وقد سئل أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني مسألة عن العشق، وحكم مواصلة العاشق للمعشوق، وكان السؤال شعراً مكتوباً في رقعة، فأجابه أبو الخطاب قائلاً:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015