ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الجواب الكافي "أن رجلا كان واقفًا بإزاء داره (باتجاهها)، وكان بابه يشبه باب حمّام منجاب (حمام كان مخصصًا للنساء) فمرت جارية لها منظر، فقالت: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ فأشار إلى بيته وقال لها: هذا حمام منجاب، فدخلت الدار وهي لم تعرف أنه خدعها ودخل وراءها، فلما رأت نفسها في داره وعلمت أنه قد خدعها، أظهرت له البشرى والفرح باجتماعها معه، وقالت له: يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقرُّ به عيوننا، فقال لها: الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين، وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها، فأخذ ما يصلح ورجع فوجدها قد خرجت وذهبت ولم يجد لها أثر.

فهام الرجل بها وذهبت بلبه فأكثر الذكر لها والحزن والجزع عليها وجعل يمضي في الطرق ويقول:

يا رُبَّ قائلةٍ يوْمًا وقد تَعِبَتْ ... أيْنَ الطَّرِيقُ إلى حمام مَنْجَابِ

ومر من عند بيتها وهو ينشد هذا البيت وإذا بها تجاوبه من داخل دارها وتقول بصوت سمعه:

هَلا جَعَلْتَ سَرِيْعًا إذْ ظَفِرْتَ بِهَا ... حِرْزًا عَلَى الدارِ أَوْ قُفْلاً عَلى البابِ

إنْ يَنْفَذَ الرِّزْقُ فالرَّزَاقُ يَخْلِفُهُ ... والعِرْضُ مِنْ أيْنَ يَا مَغْرُوْرُ يُنْجَابُ

{تنبيه}: {انظر رحمك الله إلى هذه المرأة التي وقعت في ورطة وخداع من إنسانٍ ماجن أراد أن يقع بها، ولكن لما اطَّلع الله تعالى على قلب هذه المرأة التقيَّة النقيَّة العَفيفة الحييَّة الحُرةُ الأبيّةَ ووجد فيه صدق النية في عدم الوقوع في الفاحشة كتب الله تعالى لها النجاة لا محالة وأنْجَاهَا من هذا المأزق المهين كما تخرج الشَّعْرةُ من العجين، والسؤال الذي يطرح نفسه: من الذي أنْسَى هذا الشَقِي أن يضع قُفلاً على الباب؟ إنه الله العلي الكبير، وما يعلمُ جنود ربك إلا هو، فلا يتوهم إنسان أن الله تعالى يعلمُ من عبده ِصدق النية في عدم الوقوع في الرذيلة ثم يتركه يقع فيها، فمن توهم ذلك فقد كذَّب بحديث النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن تصدق الله يصدقك).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015