فإن قيل: إنهم مرتدون عن الإسلام فالمرتد إذا أسلم لا يقضي ما تركه حال الردة عند جمهور العلماء كما لا يقضي الكافر إذا أسلم ما ترك حال الكفر باتفاق العلماء، ومذهب مالك، وأبي حنيفة وأحمد في أظهر الروايتين عنه، والأخرى يقضي كقول الشافعي، والأول أظهر؛ فالذين ارتدوا على عهد رسول الله"كالحارث بن قيس، وطائفة معه أنزل الله فيهم: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) [آل عمران: 86]، والتي بعدها.

وكعبد الله بن أبي سرح، والذين خرجوا مع الكفار يوم بدر، وأنزل الله فيهم: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 110]

فهؤلاء عادوا إلى الإسلام، وعبد الله بن أبي سرح عاد إلى الإسلام عام الفتح، وبايعه النبي".

ولم يأمر أحداً منهم بإعادة ما ترك حال الكفر في الردة، كما لم يكن يأمر سائر الكفار إذا أسلموا.

وقد ارتد في حياته خلق كثير اتبعوا الأسود العنسي الذي تنبأ بصنعاء اليمن، ثم قتله الله، وعاد أولئك إلى الإسلام، ولم يؤمروا بالإعادة.

وتنبأ مسيلمة الكذاب، واتبعه خلق كثير قاتلهم الصديق، والصحابة بعد موته حتى أعادوا من بقي منهم إلى الإسلام، ولم يأمر أحداً منهم بالقضاء، وكذلك سائر المرتدين بعد موته.

وكان أكثر البوادي قد ارتدوا، ثم عادوا إلى الإسلام، ولم يأمر أحداً منهم بقضاء ما ترك من الصلاة.

وقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) [الأنفال:38] يتناول كل كافر.

وإن قيل: إن هؤلاء لم يكونوا مرتدين، بل جهالاً بالوجوب، وقد تقدم أن الأظهر في حق هؤلاء أنهم يستأنفون الصلاة على الوجه المأمور، ولا قضاء عليهم؛ فهذا حكم من تركها غير معتقدٍ لوجوبها (?).

[*] (وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في معرض حديث له عن مسألة قضاء الفرائض المتروكة، قال: ومن أحكام التوبة أن من تعذر عليه أداء الحق الذي فرط فيه، ولم يمكنه تداركه، ثم تاب؛ فكيف حكم توبته؟ وهذا يتصور في حق الله سبحانه وحقوق عباده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015