يظهر مدى حرص الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى على وقته ظهوراً بيناً في كثرة مؤلفاته وعِظم قدرها وندرةِ فوائدها إذا لو لم يكن أشح على وقته من دراهمه لما استطاع تحصيل هذا العلم الجم الواسع الغزير ولما استطاع تصنيفه بعد تحصيله، ولا أرى ذلك إلا من توفيق الله تعالى له، فليس كل أحدٍ يُوَفَّقُ للخير.
[*] • يروي الخطيب البغدادي أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة. فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه. يعني: أن عنده من العلم في التفسير ما يملأ ثلاثين ألف ورقة، فلما وجد هؤلاء الطلبة أو هؤلاء الأصحاب غير نشطين اختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة، فكم الفرق بين ثلاثة آلاف وثلاثين ألف ورقة؟! إنه عشرة أضعاف، وهو الآن يقع في ثلاثين مجلداً، ولو كان هؤلاء الطلاب أو الأصحاب أكثر همة لكان الثلاثون مجلداً ثلاثمائة مجلد! ثم حاول معهم مرة ثانية، فقال: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟! أي: هل عندكم همة أملي عليكم تاريخ العالم منذ إهباط آدم الأرض إلى يومنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحو ما ذكره في التفسير وقال: ثلاثون ألف ورقة. فردوا مثل ذلك،
فقال: إنا لله! ماتت الهمم. ثم إنه جعله على نحو قدر التفسير، وهو تاريخ الطبري المعروف.
• أبو حاتم الرازي وابنه عبد الرحمن:
[*] • قال أبو حاتم: سألنا القعنبي أن يقرأ علينا «الموطأ»، فقال: تعالوا بالغداة، فقلنا له: مجلس عند الحجاج، قال: فإذا فرغتم من الحجاج، قلنا: نأتي مسلم بن إبراهيم، قال: فإذا فرغتم، قلنا: يكون وقت الظهر ونأتي أبا حذيفة، قال: فبعد العصر، قلنا: نأتي عارم. قال: فبعد المغرب. فنأتيه (?) بالليل فيخرج علينا فيخرج علينا كثر] كذا [ما تحته شيء في الصيف في الحر الشديد، فكان يقرأ وعليه كساؤه، ولو أراد لأعطي الكثير (?).
[*] • وقال أحمد بن علي لعبد الرحمن بن أبي حاتم: ما سبب كثرة سماعك الحديث من أبيك؟ وكثرة سؤالاتك له؟ فقال: ربما كان يأكل طعامه وأنا أقرأ عليه الحديث ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه (?).
[*] • ثعلب النحوي أحمد بن يحيى البغدادي: