خرّقت الأكفان ومحت الألوان وأكلت اللحم ونخرت العظم وأبانت الأعضاء ومزقت الأشلاء وسالت الحدق على الوجنات.

(كيف بك وقد أخذت من فراشك إلى لوح مغتسلك وجردوك من أثوابك، ثم غسلوك وألبسوك الأكفان، وبكى عليك الأهل والجيران، وفقدت الأصحاب والإخوان، وصِرت إلى العدم بعد الوجدان، فبادر بالخيرات ما دمت في زمن الإمكان، وتعرض لنفحات الرحمن قبل فوات الأوان اللهم ارحم عربتنا في القبور وما فيها من الدواهي والأمور تحت الجنادل والصخور، وآمنا يوم البعث والنشور، وارزقنا فعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور يا عزيزُ يا غفور.

(ويحك أخي:

كيف أمنت هذه الحالة: وأنت صائرٌ إليها لا محالة

أم كيف ضيعت حياتك: وهي مطيتك إلى مماتك

أراك ضعيف اليقين: يا مؤثر الدنيا على الدين

(عباد الله أما تشاهدون أيها الناس مواقع المنايا بينكم وحلول الآفات والرزايا بكم وكيف أفلح المتقون وخسر المبطلون.

أين من كان قبلكم في الأوقات الماضية، أما وافتهم المنايا وقضت عليهم القاضية، وهذه دورهم فيها سواهم، وهذا صديقهم قد نسيهم وجفاهم،

(أخبارهم تزعج الألباب، وتصدِّع قلوب الأحباب، وأحوالهم عبرةً للمعتبرين، فتأملوا أحوال الراحلين، واتعظوا بالأمم الماضين، لعل القلب القاسي يلين.

(لَمَّا احتضر عبد الملك بن مروان قال: والله لوددت أنَّي عبد رجلٍ من تهامة أرعى غنيمات في جبالها وأني لم ألِ 0

وجعل المعتضد يقول عند موته: ذهبت الحيل فلا حيلة حتى صمت.

(دخل أبو العتاهية على الرشيد حين بنى قصره، وزخرف مجلسه، واجتمع إليه خواصه،

فقال له: صف لنا ما نحن فيه من الدنيا فقال:

عش ما بدا لك آمناً.:. في ظلّ شاهقة القصور

فقال الرشيد: أحسنت، ثم ماذا؟ فقال:

يسعى إليك بما اشتهيت: لدى الرواح وفي البكور

فقال: حسن، ثم ماذا؟ فقال:

فإذا النفوس تغرغرت: في ضيق حشرجة الصدور

فهناك تعلم موقناً.:. ما كنت إلاّ في غرور

فبكى الرشيد بكاء شديداً حتى رُحِم، فقال له الفضل بن يحيى: بعث إليك المؤمنين

لتسره فأحزنته، فقال له الرشيد: دعه فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا عمى.] أ. هـ.

(يا غافلاً عن الموت وقد دنا إليه: يا ساعياً إلى ما يضره بقدميه

(ألا ربَّ فرحٍ بما يؤتى: قد خرج اسمه في الموتى

(ألا ربَّ مُعْرِضٍ عن سبيل رشده: قد آن أوان شق لحده

(ألا ربَّ مُقيمٍ على جهله: قد أزف رحيله عن أهله

(ألا ربَّ مشغولٍ في جمع حطامه: قد دنا تشتت عظامه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015