وأما ستر جدران البيت به فحرام عندهم على النوعين، وأما سترها بغيره فقال الشافعي: لا أكره للمدعو أن يدخلها، وقد كرهه بعضهم لما فيه من الخيلاء، حكاه القاضي أبو الطيب، وحكى الشيخ نصر التحريم لما روى مسلم عن عائشة، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أن الله لم يأمرنا أن نكسوا الحجارة واللبن ". وفي سنن البيهقي عن أبن عباس: " لا تستروا الجدران بالثياب ". وقال ابن يلدجي من أئمتنا الحنفية: ولا بأس بستر حيطان البيت للبرد، ويكره للزينة، وكره محمد إرخاء الستر على البيت انتهى. ولو علم إنه يكتب الصداق في حرير، فقد أتى ما أفتى به النووي من تحريمه، إلحاقه بالإفتراش وفيه نظر، فإنه ليس استعمالاً من الرجل ورسم الكتاب فيه بمنزلة نقش ثوب المرأة ونسجه، وهو لا يحرم، وبالجواز أفتى الفخر ابن عساكر مفتي الشام وشيخه العز بن عبد السلام من الشافعية وأئمتنا الحنفية.

الرابع - أن الحرير ليس بقيد، فإن افتراش جلود النمور حرام عندهم، كما قاله الحليمي وابن المنذر وغيرهما، وكذا المسروق والمغصوب ونحوهما.

الخامس - أن قوله: ومن المنكر صور الحيوانات. هذا إذا كانت غير مقطوعة، إما إذا كانت مقطوعة فليست من المنكر.

الصور

وقال البلقيني: ولا بأس مطلقاً بصور الشجر والشمس والقمر انتهى. لأنه ليس على صورة حيوان، ولا هي ذات روح، والذي ورد النهي فيه الصور المنتزعة، وأما حيوان لم يشاهد مثله كإنسان له جناح طائر وطائر له وجه إنسان، ففيه وجهان: أحدهما قول أبو الطيب: لا يحرم، والثاني وبه جزم المتولي: المنع. ولا فرق بين أن يكون للصورة بروز وظل أم لا، وخصه بعضهم بما إذا كان له بروز وظل. وقال في شرح مسلم: أجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره، وحيث قلنا لا يحرم فهو مكروه انتهى.

ثم لا فرق في صور الحيوان بين أن يكون على سقف أو جدار أو ثوب ملبوس كما مر، وكذا لو كانت على ستر معلق أو وسائد كبار منصوبة لا يتكأ عليها، سواء كان الحيوان صغيراً أو كبيراً، لأنه صلى الله عليه وسلم أمتنع من الدخول على عائشة لما قدم من سفره وقد سترت على ضربها ستراً فيه الخيل وذوات الأجنحة، فأمر بنزعها وفي رواية: " فقطعنا منه وسادة أو وسادتين وكان يرتفق بهما " متفق عليه. قال العمري في الجواهر: ولا فرق بين أن تكون الصور لزينة أو انتفاع، كستر باذهنج أو باب أو بسخاناه، لوقاية حر أو برد عند الجمهور انتهى.

نعم يستثنى اللعب للبنات. وقد ترجم ابن حبان في صحيحه لإباحه ذلك، ونقله القاضي عياض عن العلماء وتابعه النووي في شرح مسلم، ونقل عن أبي سعيد الأصطخري أنه لما ولي حسبه ببغداد أزال أسواق المنكر وأبقى سوق اللعب. لكن في منهاج الحليمي أنها حرام، لأن القائل بالجواز يعلل ذلك باعتيادهن تربية الأولاد وملاطفتهن، وهذه علة واهية لا تصلح أن تكون باعثة على حكم الشرع، ذكره ابن العماد.

قلت: وفي زماننا إنما يصنعونها بغير أيد وأصابع رجل، فهي غير صورة كاملة، فهي أولى بالجواز، والله أعلم.

فإن كانت الصورة على فرش تداس بالرجل، أو على مخاد يتكأ عليها، أو على بساط أو أرض، فلا بأس بها، لما تقدم من حديث عائشة، لكن قال السبكي: إنه لا دليل فيه لجواز أنه لما قطع زالت كيفية الصورة، وحديث: " لا تدخل الملائكة بيت فيه كلب ولا صورة " يشمل ذلك، والمراد بالملائكة سوى ملائكة قبض الأرواح والحفظة بالاتفاق انتهى.

وفي معناها الطبق والخوان والقصعة ذكره النووي، ولو كانت الصور في الممر دون موضع لجلوس فلا بأس بالدخول والجلوس، ولا يترك إجابة الدعوة بهذا السبب.

وكذا لا بأس بدخول الحمام الذي بابه الصور، لأن المجاز محل الانتهاك لا التعظيم، فأشبه الأرض. قال السبكي: ولعل هذا محمول على من لا يقدر على إزالتها، أما من يقدر على إزالتها فينبغي أن يجب عليه ذلك، فإن تركه أثم، وليس في كلام الأصحاب مخالفة لذلك، ولا يلزم من ذلك تحريم الدخول كما قالوه انتهى. وأما دخول البيت الذي فيه الصور فهل هو حرام أو مكروه؟ وجهان. وإلى الكراهة مال الأكثرون. وأما لبي الثياب التي عليها الصور للرجال أو النساء فلا يجوز، وهو أولى بالمنع من الصور التي على السقوف المعلقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015