وقال شيخنا المحيوي النعيمي الشافعي: وأما سائر الولائم غير وليمة العرس، فالمذهب الذي قطع به الجمهور أنها مستحبة ولا يتأكد تأكد وليمة العرس، وطرد المتولي فيها الوجوب. وقال أحمد بن حمبل: لا، تستحب ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: " لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدى إليّ ذراع لقبلت " ولأن فيه إظهار نعم الله تعالى والشكر عليها، واكتساب الأجر والمحبة، فكان مستحباً. واحتج بما روي أن عثمان بن أبي العاص دعي إلى ختان فلم يجب إليه، فقيل له في ذلك، فقال: إنا كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ندعى إلى ختان، ولا نجيب إليه، قلنا: هذا لا حجة فيه، حتى ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً. والله أعلم. ولا يجب ذلك، لأن الإيجاب بالشرع، ولم يرد الشرع بإيجابه، لأنه لم ينقل أنه أولم على غير عرس، ولا أنه أمر به. قاله أبن درباس في الاستقصاء. انتهى.
ثم اقل المستحب في الوليمة للقادر شاة، لأنه عليه الصلاة والسلام أولم على زينب بنت جحش رضي الله عنها بشاة. كما في البخاري وفي شرح مسلم للنووي في قوله صلى الله عليه وسلم: " أولم ولو بشاة " دليل عليه أنه يستحب، إذ لا ينقص عن الشاة. انتهى. وقال في الاستقصاء: وكل من أولم فالمستحب له أن لا ينقص عن شاة، لقوله عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن بن عوف: " أولم ولو بشاة ". فأن أقصر على أقل منها جاز، لما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بسويق وتمر. وقال أبن الصباغ والمتولي: أقل الوليمة للمتمكن شاة لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: " أولم ولو بشاة ". فإن لم يتمكن من ذلك، أقتصر على ما يقدر عليه، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي فعله على صفية، لأنه فعله وكان على سفر في حرب حنين. والأول أظهر. انتهى. وقال البلقيني: وأقلها للمتمكن شاة، ولغيره الاقتصار على ما يقدر عليه. انتهى.
فروع:
الأول - قال الأذرعي قد يخرج بالعرس التسري، ولم يتعد منواله، والظاهر استحبابه. ففي الصحيح: " أولم على صفية، وتردد الصحابة مع ذلك في إنها زوجته أم لا، حيث قالوا لما اصطفاها واختلى بها وهم يأكلون: هل هي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي منهن ". قدر على الوليمة كانت لكل منهما. لكن لم ينقل أنه أولم على مارية القبطية أم إبراهيم رضي الله عنها.
الثاني - لم يتعرضوا لوقت الوليمة، هل هو قبل الدخول أو بعده؟ قال النووي في شرح مسلم: وأختلف العلماء في وقت فعلها. فحكى القاضي. يعني عياضاً: أن الأصح عند مالك وغيره أنه يستحب فعلها بعد الدخول. وعن جماعة من المالكية استحبابها عند العقد. وعن أبن حبيب المالكي استجابها عند العقد، وعند الدخول. هكذا قال في الكلام على الوليمة. ثم قال بعد ذلك في قضية صفية: وأنها أهديت له بالليل، فأصبح عروساً وأنه قال: " من كان عنده شيء فليجئ به ". وفيه دليل لوليمة العرس على أنها بعد الدخول وقد سبق أنها تجوز قبله، وبعده. انتهى. وقال السراج في الملقن: وفي سنن ما تقضي أن وقتها بعد الإملاك، وهو ما روي من طريق إسماعيل بن عمرو، أن النجاشي لما زوج أم حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم أرادوا أن يقوموا قال: " فإن من سُنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج " فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا. انتهى. وقال السبكي: لم يتعرضوا لوقتها، والمنقول عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها بعد الدخول، يعني ما في صحيح البخاري والترمذي والنسائي قال أنس: بنى النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة فأرسلني فدعوت رجالاً إلى الطعام ".