ويكره أن يعيب الطعام ولا بأس بقوله لا أشتهيه أو ما اعتدته للحديث الصحيح في الضب. ويكرهه أن يقرن بين تمرتين ونحوهما، ولا بأس بذلك في الفواكه. قال الأذرعي: قال في شرح مسلم: وإن كان المأكول أجناساً، فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه، والذي ينبغي تعميم النهى حين يثبت دليل خاص. وأشار في موضع إلى نقل الإجماع على الجواز، وأنه لم يرد فيه حديث. قلت: بل فيه حديث ضعيف في جامع الترمذي. وقوله: ويكره أن يعيب الطعام أطلق، والمراد ما قدم للأكل ونحو ذلك، والكراهة إن كان لغيره للأذى والتخجيل. أما لو كان له فلا، ولا سيما ما ورد خبثه كالثوم والبصل والكراث وفي الحديث: " أن لحم البقر داء "، نعم الأولى تركه لأنه عليه السلام ما عاب طعاماً قط، إن أعجبه أكله وإلا تركه. وأطلق كراهة القِران في التمر وغيره، ونقل في شرح مسلم عن الظاهرية أن النهي للتحريم، وغيرهم أنه للأدب، والصواب: التفصيل؛ فإن كان الطعام مشتركاً بينهم فالقرآن حرام إلا برضاهم، ويحصل الرضى بتصريحهم به، أو ما يقوم مقام التصريح من قرينة حال أو إدلال عليهم، بحيث يعلم يقيناً أو ظناً منهم أنهم يرضون به، ومثى شك في رضاهم فحرام. قلت: وأكنه يريد بالشك التردد المستوي الطرفين، وفيه نظر، والظاهر أنه متى شك حرم، وإن غلب على ظنه الرضى وإن كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده، فإن قرن بغير رضاه فهو حرام. ويستحب أن يستأذن الاكلين معه ولا يجب، وإن كان لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه. ثم إن كان فيه قلة فحسن أن لا يقرن ليساويهم، وإن كان كثيراً بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه، لكن الأدب مطلقاً التأدب في الأكل وترك الشره، إلا أن يكون مستعجلاً يريد الإسراع لشغل آخر. وقال الخطابي: إنما كان هذا في زمنهم وحين كان الطعام ضيقاً، فأما اليوم مع أتساع الحال قلا حاجة إلى الإذن وليس كما قال، بل الصواب ما ذكرنا من التفصيل انتهى. وقال أبن العماد: يستحب الأكل مما يلي الآكل إلا في النهار، فإنه يأكل من حيث شاء ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القِران في التمر، أخرجه البخاري ومسلم، وهو أن يأكل في لقمة اثنتين أو أكثر. والحق الطرطوسي الزبيب بالتمر والقياس إلحاق العنب بالتمر. قال الطرطوسي: وقال بعضهم: النهي مخصوص بالشركاء إذا اشتركوا في شراء الثمار والطعام، ويحرم معه لأحدهم أن يأكل أكثر من الآخر، وفي غير الشركاء لا حرج. وهذا حسن ويستثنى من المنع ثلاث صور، الأولى: إذا قرن الآكلون.
الثانية: إذا سامحوه بذلك.
الثالثة: إذا كان القارن هو مالك التمر فله أن يفعل ما يشاء، وله منعهم من الأكل. انتهى.
ثم قال النووي وإذا أكل جماعة فمن الأدب أن يتحدثوا على طعامهم بلا إثم فيه. ويكره أن يتمخط أو يبزق في حالة الأكل إلا لضرورة. ويكره أن يقرب فمه من القصعة بحيث يرجع من فمه إليها شيء، ويستحب أن يلعق من القصعة لما روى الترمذي وأبن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أكل من قصعة فلحسها استغفرت له القصعة ". وروى البزار أنها تقول: " اللهم أجره من النار كما أجارني من الشيطان ". وكذا يستحب أن يلعق أصابعه قبل أن يمسح يده بالمنديل. وذكر القفال في محاسن الشريعة: أن المراد بالمنديل هنا المعد لإزالة الزهومة يعني الفوطة، لا المنديل المعد للمسح بعد الغسل، كذا قاله أبن حجر. ويكره أن ينفض أصابعه في القصعة، وأن يذكر شيئاً من المستقذرات. وينبغي أن يأكل اللقمة الساقطة ما لم تتنجس ويتعذر تطيرها، للأحاديث الصحيحة في ذلك. والأولى أن لا يأكل الشخص وحده، وأن لا يترفع عن مؤاكلة الغلام والصبيان والزوجة، وأن لا يتميز عن جلسائه بنوع إلا لحاجة كدواء ونحوه. وأن يمد الأكل مع رفقته ما دام يظن لهم حاجة إلى الأكل. وأن يؤثرهم بفاخر الطعام، كقطعة لحم وخبز لين أو طيب. ويستحب الترحيب بالضيف وحمد الله تعالى على حصوله ضيفاً عنده، وسروره وثنائه عليه لجعله أهلاً لتضييفه؛ ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " ويسن أكل القثاء بالرطب لأن النبي صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ، ومن ثم أستدل على جواز الجمع بين طعامين. وينبغي للآكل حالة أن لا يديم النظر إلى جليسه، لأن ذلك يخجله فيترك الطعام قبل الشبع.