ولكل منكم- يا أمة محمد- وجهة، أي: جهة يصلي إليها جنوبية أو شمالية أو شرقية أو غربية. (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ). (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَاتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعاً) للجزاء، من موافق ومخالف، لا تعجزونه. ويجوز أن يكون المعنى: فاستبقوا الفاضلات من الجهات، وهي الجهات المسامتة للكعبة وإن اختلفت. (أَيْنَ مَا تَكُونُوا) من الجهات المختلفة (يَاتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعاً) يجمعكم ويجعل صلواتكم كأنها إلى جهة واحدة، وكأنكم تصلون حاضري المسجد الحرام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال القاضي: أينما تكونوا مجتمع الأجزاء ومفترقها يأت بكم الله جميعاً، أي: يحشركم الله تعالى للجزاء.
قلت: وفي تركيب "الكشاف" لف ونشر واستطراد بين، إذ لو لم يرد النشر لكان مكان قوله: " (يَاتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعاً) للجزاء من موافق ومخالف" قبل قوله: "ومعنى آخر" ليكون الشروع في الوجه الخاص بعد الفراغ من العام ظاهراً، ولو لم يذهب إلى الاستطراد لكان الظاهر أن يذكر الوجهان المختصان بالمؤمنين على سنن واحد، ثم يتبع لكل من العام والخاص بما يناسبهما من غير تخلل أجنبي، فلما أخر أحد وجهي الخاص عما يتعلق بالوجه العام والأول من وجهي الخاص؛ وهو (يَاتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعاً) للجزاء؛ علم أن المصنف أورد هذا الوجه استطراداً، والله أعلم.
الراغب: وفي الآية قول آخر، وهو أنه تعالى قيض الناس في أمور دنياهم وآخرتهم في أحوال متفاوتة، وجعل بعضهم أعوان بعض فيها، فواحد يزرع، وواحد يطحن، وواحد يخبز، وكذلك في أمر الدين: واحد يجمع الحديث، وآخر يطلب الفقه، والثالث يطلب الأصول، وهم في الظاهر مختارون وفي الباطن مسخرون، وإليه أشار بقوله صلى الله عليه وسلم: "كل ميسر لما