وقرأ ابن عامر: (هو مولاها) أي: هو مولى تلك الجهة، وقد وليها، والمعنى: لكل أمة قبلة تتوجه إليها منكم ومن غيركم. (فَاسْتَبَقُوا) أنتم (الْخَيْرَاتِ) واسبقوا إليها غيركم من أمر القبلة وغيره. ومعنى آخر؛ وهو أن يراد:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الفعل قد أخذ مفعوله، وإذا كان الضمير للمصدر يستقيم ذلك، وكذا الضمير في ضاربه للمصدر، "ولزيد": مفعوله، أي: لزيد أبوه ضارب الضرب، وإنما أورد المصنف المثالين ليشير إلى أنه يجوز أن يكون الضمير في (مُوَلِّيهَا) للوجهة، وأن يكون للمصدر الذي هو التولية.
قوله: (وقرأ ابن عامر: "هو مولاها")، قال أبو البقاء: "وهو" على هذا: ضمير الفريق، و"مولى" لما لم يسم فاعله، والمفعول الأول: الضمير المرفوع فيه، و"ها": ضمير المفعول الثاني الراجع إلى الوجهة، ولا يجوز على هذه القراءة أن يكون "هو" ضمير اسم الله تعالى لاستحالة ذلك المعنى، والجملة صفة لـ "وجهة".
قوله: (ومعنى آخر): عطف على قوله: "والمعنى: لكل أمة"، يعني: يجوز أن تكون الآية عامة في كل أهل الأديان المختلفة لقوله: "منكم ومن غيركم"، وفي كل أعمال صالحة لقوله: "من أمر القبلة وغيره"، وفي كل ما يتصل بالأعمال من الجزاء إلى الموافق والمخالف، فيكون تذييلاً لقوله: (مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ)، أي: اعلموا أن لكل حزب من اليهود والنصارى جهة يستقبلونها وهم يصلون فيها، فاستقبلوا أنتم- يا أمة محمد- الخيرات واستبقوا إليها غيركم، ويجوز أن تكون مختصة بأمة محمد صلوات الله عليه وسلامه، وهو لوجهين، أحدهما: أن يراد بالوجهة: استقبال القبلة والسبق، وثانيهما: أن يختص كل من ألفاظ الآية إلى آخرها بأمر القِبلة وما يتصل به، وحينئذ تكون الآيات التالية كعطف تفسيري لهذه الآية.